حكاية سد النهضة (1)

لواء دكتور/ سمير فرج
خلال اللقاءات المتعددة مع شباب الجامعات خلال احتفالات مصر بنصر أكتوبر العظيم، تلقيت في كل لقاء العديد من الأسئلة حول موضوع سد النهضة، وتلمست أن هناك شغفا من شباب الجامعات بهذا الموضوع وأن ليس لديهم المعلومات الصحيحة بشأن السد وما يثار حوله. وفي أحد هذه اللقاءات أقترح علينا أحد رؤساء الجامعات كتابة عدد من المقالات حول السد تمكن الطلاب من معرفة الحقائق الخاصة بنهر النيل والسد الإثيوبي حماية للشباب من طلاب الجامعات وخارجها من المعلومات المغلوطة التي هدفها تشويه الإجراءات التي تتخذها مصر لحماية حقوقها في مياه النيل.
ومن هذا المنطلق، اتصلت بصديقي الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة، وهو من المعدودين من خبراء الأراضي والمياه في مصر، ودائمًا تختاره منظمة الأغذية والزراعة (FAO) لحضور مؤتمراتها وجمعياتها العمومية وله عدة مؤلفات عن حوض نهر النيل، وذلك لحرصنا على الحصول على المعلومات العلمية الخاصة بنهر النيل وسد النهضة منذ بداية المشكلة حتى الوقت الراهن.
في البداية نوضح إن مياه نهر النيل التي تصل إلى مصر تأتي من منبعين منفصلين تماما ولا يمكنهما الاتصال ببعضهما وكل ما ربطهما هو الالتقاء في الأراضي السودانية، وأن كل منبع خُلق لتصل مياهه إلى مصر والسودان فقط دون غيرهما. المنبع الأول وهو الأقرب لنا هو منبع الهضاب الحبشية ويضم إثيوبيا وإرتريا، والأخيرة رفضت الانضمام إلى منظمة حوض النيل وفضلت أن تكون مراقبا فقط. ويعتبر هذا المنبع هو المصدر الرئيسي لمياه نهر النيل ويشارك بنسبة 85% من إجمالي مياه نهر النيل عبر ثلاثة أنهار، أكبرهم النيل الأزرق بتدفقات نحو 50 مليار م3 في السنة ويصب في نهر النيل عند مدينة الخرطوم، ومعه أيضا من نفس المنبع نهري عطبرة في الشمال على الحدود مع إرتريا ويصب شمال الخرطوم بنحو 330 كم في الطريق إلى مصر، ثم نهر السوباط جنوبا ويصب في جنوب السودان عند مدينة ملكال على النيل الأبيض، وكليهما يشاركان بنحو 22 مليار م3 سنويا، وبذلك يكون إجمالي ما يخرج من الهضاب الحبشية ويصب في نهر النيل نحو 72 مليار م3 سنويا من إجمالي مياه نهر النيل البالغة 84 مليار م3. ويتسم هذا المنبع بأن مياهه موسمية تتدفق خلال شهور الصيف فقط وتجف خلال شهور الشتاء، ويأتي منه مياه الفيضان كل عام.
المنبع الثاني لنهر النيل وهو الأبعد هو منبع هضاب البحيرات الاستوائية العظمى ويخرج منه النيل الأبيض عبر ست دول من حوض النهر ويشارك بنسبة 15% فقط من مياه النهر بإجمالي نحو 13 مليار م3 ويقطع مسافات طويلة عبر مستنقعات وجبال وأراضي غير منحدرة تعوق كثيرا من مساره وتفقده أيضا الكثير من مياهه. وهذا المنبع يتدفق طوال العام بانتظام بسبب الأمطار الاستوائية المستديمة طوال العام وكانت مصر تعتمد عليه قبل بناء السد العالي خلال شهور الشتاء من يناير وحتى يونيو والذي تنقطع فيه مياه الهضاب الحبشية، وكان المصريون يطلقون على هذه الفترة من العام “موسم التحاريق” بسبب قلة مياه النيل الأبيض والتي كانت تكفي لزراعة محصول القطن فقط.
بدأت قصة السد الإثيوبي في 2 إبريل 2011، بعد 50 يومًا فقط من تنحي الرئيس مبارك رحمه الله مستغلة الموقف في مصر بتنحي الرئيس مبارك وتوقف عمل البرلمان والوزارة. حيث كان الرئيس مبارك رافضًا دائمًا قيام إثيوبيا ببناء أي سد على أنهار وروافد نهر النيل قبل أن تنتهي إثيوبيا من بناء السدود على باقي الأنهار العديدة التي لديها. والجدير بالذكر أن الرئيس مبارك كان قد أرسل إلى رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ميليس زيناوي، عبر الوزير عمر سليمان، رئيس المخابرات العامة، رسالة توضح له أن مصر ترفض بناء أي سد إلا بعد دراسة مشتركة تضم مصر والسودان وإثيوبيا، طبقًا لقانون الأمم المتحدة لمياه الأنهار العابرة للحدود، الذي ينص على أنه عند إنشاء سد على مجرى مائي نهري عابر للحدود يجب أن تقوم بالدراسات المطلوبة والخاصة بتأثيرات هذا السد على باقي الدول وعدم تأثر السدود المقامة سلفا على النهر ومعها دراسات بيئية واجتماعية واقتصادية عن مدى تأثر الأراضي الزراعية والعمالة وصيد الأسماك والدخل القومي وتغيير بيئة النهر ومجراه وتسليم هذه الدراسات إلى دول المصب، ثم تُعطى مهلة لمدة ستة أشهر قد تمتد لمدة مماثلة للنظر في هذه الدراسات والرد عليها وبعدها يتم اللجوء للأمم المتحدة لتقرر إنشاء السد من عدمه إذا رفضت دول المصب قيام السد أو كانت الدراسات غير كافية، ولهذا فمصر ترى حتى الآن أن هذا السد غير شرعي ومخالف للقانون الأممي، حيث لم تقم إثيوبيا بأي من الخطوات السابقة لإنشاء سدا على مجرى النهر.
وعلى الرغم من ادعاء إثيوبيا في المباحثات التي تلت عام 2011 بأن هذا السد لتوليد الكهرباء فقط وليس لاستغلال مياهه في الزراعة أو الصناعة إلا أنها رفضت التوقيع على ذلك وأشارت إلى كونه سدا للتنمية الاقتصادية وهو أمر مخالف لما تدعيه في المباحثات بأنها تحتاجه لإنتاج الكهرباء للإنارة لشعبها وبناء المصانع وجذب الاستثمارات، وأنها ستقوم ببيع كهرباء السد المولدة إلى جيرانها الأفارقة وعلى الأخص السودان وجنوب السودان لزيادة دخلها.
وفي مقالي الأسبوع القادم نستكمل باقي حكاية سد النهضة.
Email: sfarag.media@outlook.com