الأهرامالقوات المسلحة وإنتصارات أكتوبرمقالات صحفية

مولد سيدي أكتوبر

يهل علينا شهر أكتوبر … من كل عام … فتنشط ذاكرة المصريين … ونستعيد تفاصيل هذا الحدث العظيم في تاريخ مصر الحديث … الذي حققت فيه أعظم انتصاراتها العسكرية. في شهر أكتوبر من كل عام … تمتلئ أعمدة الصحف بالكتابات، والتحليلات، والذكريات، عن حرب أكتوبر … وتظهر الدبابات، والمدفعية، وخط بارليف على شاشات التليفزيونات … وتبدأ الندوات العلمية في الجامعات المصرية، وأندية الروتاري، والإنرويل … الجميع يتحدث عن روح أكتوبر، فيستحضر الشعب المصري ذكريات انتصاراته، وما حققته مصر في حرب أكتوبر 73 …. ويمر شهر أكتوبر … وينتهي “مولد سيدي أكتوبر” … ليبدأ، من جديد، في موعده من العام القادم!

وخلال شهر أكتوبر من هذا العام، ظهرت في العديد من البرامج التليفزيونية … وكتبت العديد من المقالات، والتحليلات العسكرية، لعدد من الصحف المصرية، والعربية، واللندنية …وشاركت في عدد آخر من الندوات في القاهرة، والإسكندرية … فكان ما استرعى انتباهي بشدة، هو ندوتين شاركت بهما في كليتين مختلفتين للإعلام، إذ قضيت نهاراً كاملاً، في كل كلية، أحاضر شبابها، وأحاورهم، واستمع إليهم. وبالرغم ما تمر به مصر من مشاكل وأزمات، إلا أنني خرجت سعيداً من هذه اللقاءات … بل اعتبرتها أسعد أيام هذا العام، وهو ما عبرت عنه لشباب كل كلية.

كاناللقاء الأول في كلية الإعلام، التابعة للأكاديمية البحرية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، بفرعها في القاهرة. للوهلة الأولى، وأنت تدخل إلى مبنى الأكاديمية، تشعر وأنك خارج مصر؛ البوابات تعمل بالكروت الممغنطة سواء للطلبة أو لأعضاء هيئة التدريس، حرم الأكاديمية روعة معمارية، الكافيتريات غاية في النظافة … ثم تدخل إلى كلية الإعلام، فتجد فصولها التعليمية، واستديوهاتها الفنية، وغرف المونتاج بها مجهزة بأحدث التقنيات. وبدأنا الندوة بفيلماً تسجيلياً عن حرب أكتوبر، أعده طلبة الكلية … وقد كان فيلماً غاية في الحرفية والإتقان … وفيلماً آخر قصير، أعدوه لتقديم الضيف. تلا ذلك المحاضرة عن بعض تفاصيل حرب أكتوبر، وعمدت إلى أن تكون المحاضرة قصيرة نسبياً، لأتيح فرصة أكبر للحوار المفتوح مع شباب مصر الواعد … بصراحة حاجة تفرح … ثقافة، واطلاع، وجرأة مصحوبة بأدب الحوار … الكل مهتم بشأن وطنه … يرغب في خدمته … غيور على بلده … حتى وإن كان لديه بعض المخاوف. تكرر على ألسنتهم أسئلة مثل “مصر رايحة على فين؟” … “هنعرف نشتغل بعد التخرج ولا لازم واسطة؟”.

في البداية،كانت المناقشات ساخنة… وأدركت أن معظم الحقائق غائبة عن هؤلاء الشباب، وهو ما أزعجني بشدة … فهذا الشباب الواعي، المتحمس لخدمة بلده، يستحق أن يطلع على الحقائق. واعتقد أنهمع الاقتراب من نهاية اللقاء كانت المناقشات قد هدأت، بعدما اتضح لهم من حقائق وتفاصيل لم تتح إليهم من قبل، فخرج الجميع بدفعة قوية، ونظرة إيجابية للمستقبل. وامضيت معهم ثلاثة ساعات أخرى، كضيف على تدريباتهم العملية … فهذه مجموعة تجري حواراً صحفياً … وأخرى تجري حواراً تليفزيونياً … ومجموعة ثالثة تجري حواراً إذاعياً … وأنا أراقبهم بفخر، خاصة بعدما أطلعتني الدكتورة عزة هيكل، عميدة الكلية، على المنهج الدراسي، لأفاجأ بأن 80% منه مخصص للعلوم الإعلامية، والباقي لدراسة اللغات … وهو شئ عظيم، لمسته في نوعية الطالب الذي سيتخرج مسلحاً بالعلم المهني واللغة، وهو ما كنا نفتقده في الوسط الإعلامي من قبل.

أما الزيارة الثانية، فكانت بدعوة من الدكتورة ماجي الحلواني، عميدة الكلية، لأحاضر طلبة كلية الإعلام بالجامعة الكندية. وفور دخولي إلى حرم الكلية، قلت لنفسي أننا لا يجب أن نلوم الشباب لعدم معرفتهم بالحقائق، وإنما نلوم أنفسنا على عدم معرفتنا بوجود هذا الصرح الأكاديمي الرائع في الإعلام، ولا نستفيد منه في التواصل المستمر معهم. الحرم الجامعي يشعرك بأنك في إحدى الكليات في أوروبا … النظافة … النظام … الفصول التعليمية … إستديوهات التدريب العملي … كل ذلك مجهز بأحدث التكنولوجيات الحديثة في هذا المجال. الكلية بأكملها تعمل بأحدث أنظمة التواصل الإلكتروني، والمناهج العلمية والمراجع، متاحة للطلبة عبر شبكة الإنترنت. وكان هذا يوماً آخر من أسعد أيام حياتي، وأنا أرى شباب مصر يتمتعون بهذه المنظومة العلمية الرائعة، التي ستفرز، بلا شك، شباب واعٍ، وقادر على تحمل المسئولية.

وجاء موعد اللقاء مع الطلبة … فوجدت نفس الحماس … ولمست ذات الغيرة على مصر، والحب لها … وتكررت نفس الأسئلة، التي تنم عن قلق على مستقبلهم، ومستقبل البلد … وبدأ اللقاء بذات السخونة، التي شهدتها في اللقاء السابق، ثم ما لبثت أن هدأت بعد الإنصات إلى الحقائق التي شاركتهم إياها … فاطمأنت النفوس، وعلت الوجوه ابتسامة الأمل. وأعقب اللقاء ثلاث ساعات أخرى، أسلمت نفسي فيها للطلبة، لإتمام تدريبهم العملي. ولفت انتباهي بشدة أن عدد كبير من الفتيات، أثناء حواراتهم معي، عبروا عن رغبتهم في الانضمام إلى الجيش المصري، عن طريق الإعلام العسكري! تلا ذلك متابعة المنهج مع الدكتورة ماجي الحلواني، عميدة الكلية وعميدة الإعلام في مصر، والتي شرفت بوجودها، من قبل، كعضو في مناقشة رسالة الدكتوراة الخاصة بي، تعرفت على المنهج، الذي يسير وفقاً لأحدث النظم العالمية المتبعة في الجامعات بالخارج.

وبقدر فخري بكوني واحداً من أبطال حرب أكتوبر 73، الذين صنعوا النصر العظيم لمصر … كان فخري وأنا أرى شباب مصر الصاعد … الذي سيتولى إدارة هذا البلد في المستقبل … تأكد لدي الإحساس بأن أحفادي سيكون لهم مستقبل عظيم، بإذن الله، في هذا البلد وتحت هذه الإدارة الواعدة من شباب الإعلاميين الجدد … الذين تعلموا على يد اثنتين من أنجح سيدات مصر … الدكتورة عزة هيكل، والدكتورة ماجي الحلواني … فكانت إدارتهما سر تميز، وتفوق هاتين الكليتين في مصر … وهو ما يؤكد أن النساء قادمون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى