المصري اليوم

علاقتي بالتوعية – الجامعات

 

لواء دكتور/ سمير فرج 

بدأت علاقتي بالتوعية وأنا طالب في الكلية الحربية منذ عدة عقود، عندما كان يتم تجميع الطلبة في حمام السباحة بوجود الفريق محمد فوزي، مدير الكلية، وبعض أعضاء هيئة التدريس، منهم النقيب محمد حسين طنطاوي، ثم باقي طلبة الكلية. جاء يحاضرنا دكتور من إحدى الجامعات المصرية – لا أتذكر اسمه – لكي يلقي لنا محاضرة عن “الميثاق”، وهو الموضوع الذي عرضه الرئيس عبد الناصر للشعب المصري في الستينات كمنهاج عمل.

وبعد ساعتين من المحاضرة، انتهت، والحق يُقال: لم أفهم شيئًا على الإطلاق من ذلك الموضوع. وعندما سألت زملائي، كان الانطباع نفسه، فالجميع لم يفهم شيئًا من الدكتور المحاضر بعد ساعتين كاملتين.

وبعدها بشهرين جلسنا في نفس المكان، ولكن كان المحاضر هذه المرة هو الأديب يوسف السباعي، أحد الضباط الأحرار وأحد الشخصيات التي كنت أعشقها وأنا في سن المراهقة، هو والكاتب إحسان عبد القدوس. كانت جميع القصص التي كتبها رائعة، منها رد قلبي التي تحولت إلى أحد أهم أفلام السينما لتجسيد ثورة 23 يوليو 1952، ثم قصة نادية التي كانت من أجمل الأفلام الرومانسية في تاريخ السينما المصرية.

أتذكر أنه بعد عودتي من بعثتي في إنجلترا عام 1978، اشتريت سيارة من هناك وعدت بها أنا وأسرتي، وأنا أقودها لكي نعبر بحر المانش في إحدى العبارات ونخترق فرنسا. وكان من إصراري أن أزور منطقة جرينوبل وقرية جاب التي كتب عنها يوسف السباعي قصته ناديةحيث تم تصوير الفيلم هناك، وأتذكر يومها أنني تركت أسرتي في المطعم، وأخذت أتجول في المنطقة وأسترجع مع يوسف السباعي كل كلمة وحرف في القصة التي كانت رائعة.

على أي حال، كان شعورًا رائعًا ونحن نستمع إلى محاضرات الأديب يوسف السباعي، الضابط الاديب الذي أصبح فيما بعد وزير الثقافة المصري. وللحق، كانت محاضرته من أمتع المحاضرات التي حضرتها في حياتي، فقد حكى لنا عن ذكرياته وهو طالب في الكلية الحربية، وبعد التخرج كيف كانت الحياة مختلفة، عما ندرسه في الكلية الحربية وقدم نصائح لكل منّا في الحصول على درجة “أركان حرب”. كما حكى بعض أحداث ثورة يوليو 1952، حيث كان من الضباط الأحرار.

بعدها خرج الجميع – سواء الطلبة أو أعضاء هيئة التدريس – ليقولوا إنها كانت من أهم المحاضرات التي حضرناها في حياتنا. وهكذا خرجت من الكلية الحربية ولديّ ذكرى لمحاضرتين: واحدة لم أفهم منها شيئًا لمدة ساعتين، وأخرى استمتعت بها وخرجت منها بكمّ كبير من المعلومات والمعرفة، خاصة من شخصية جذابة مثل يوسف السباعي.

وتمر السنين والأيام، ويتم تكليفي بالمرور على الجامعات لتوعية شباب مصر عن حرب أكتوبر، خاصة أن كل هؤلاء الشباب لم يكن أحدٌ منهم موجودًا في تلك الفترة، حتى العديد من أعضاء هيئة التدريس. وعلى الفور ظهرت أمامي ذكريات محاضرات التوعية وأنا طالب في الكلية الحربية — محاضرة لم أفهم فيها شيئًا، وأخرى استمتعنا بها جميعًا واستوعبنا كل كلمة قيلت فيها.

وتأتي أهمية محاضرات شباب الجامعات هذه الأيام على اساس أن نسبة الشباب في مصر تمثل حوالي 60% من عدد السكان. وللأسف، مع ظهور السوشيال ميديا، أصبح الشباب يستقي معلوماته ليس من وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف والمجلات والتليفزيون والإذاعة، بل أصبحت كل معلوماته من السوشيال ميديا التي يحملها في جيبه من خلال الهاتف المحمول. لذلك، كان علينا أن نذهب إلى هذا الشباب ونقدم لهم المعلومات الصحيحة والدقيقة، بدلاً من تركهم يعتمدون على المعلومات الخاطئة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي.

بدأت الاستعداد لهذه المحاضرات التوعوية لشباب الجامعات، وكل أملي أن تصل معلوماتي وأفكاري عن حرب أكتوبر 1973 إلى شباب مصر من الجيل الحديث، لتكون هذه الحرب قدوة لهم، وحتى نعيد معهم روح أكتوبر التي عاشها الشعب المصري في تلك الظروف خلال فترة حرب الاستنزاف ثم حرب 1973.

هذه الروح التي حققت النصر في المعركة، لذلك بدأت في استغلال الأفلام والصور وأدوات السوشيال ميديا لعرض وقائع هذه الحرب وأحداثها، كذلك الاستعانة بما ذكره القادة الإسرائيليون عن هذه الحرب، ومحطات الإذاعة والتليفزيون، حتى تلك التي تكره الشعب المصري، لعرض ما قدمته عن حرب أكتوبر وما لم تستطع إنكاره عن نجاح المصريين وبسالة الجيش المصري.

لقد ساعدتني الظروف وأنا مدير الشؤون المعنوية أن أسجل لمعظم قادة حرب أكتوبر وهم على قيد الحياة، شهاداتهم عن أحداث هذه الفترة وهذه الحرب. لذلك أعتقد أنني استطعت أن أقدم محاضرة ناجحة، كما قدمها لي وأنا طالب الأديب يوسف السباعي منذ سنوات طويلة.

ولقد أسعدني خلال تلك اللقاءات تفاعل الشباب، فقد كان الجميع يريد أن يعرف. لكن المشكلة أنهم مرتبطون أكثر بالسوشيال ميديا، إلا أنني بعد كل محاضرة كنت أعتقد أنني قد حققت الهدف من هذه اللقاءات.

وعندما يأتي شهر أكتوبر من كل عام، أكون سعيدًا بأنني أعرض قصة نجاح وانتصار الجيش المصري في أعظم معاركه في التاريخ الحديث. وهذا العام قمت بزيارة المدارس الثانوية، وخاصة الأجنبية منها، التي تُدرّس بعض منها مناهج بها معلومات خاطئة عن حرب أكتوبر.

وأعتقد أنني استطعت خلال السنوات الماضية تقديم محاضرات شيقة عرضت فيها هذه الملحمة الرائعة التي قام بها جيش مصر العظيم ومن ورائه الشعب الأعظم، ليحقق هذا النصر، ولتكون إلهامًا دائمًا للجيل الجديد ليحقق النصر لمصر الحبيبة في الأيام القادمة، في كل معركة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى