الأهرام

الذكاء الاصطناعي … هل يدخل في العمل العسكري (1)

 

 

لواء دكتور/ سمير فرج

دائماً ما تسعى القوات المسلحة، في كل دول العالم، لأن تكون أول المستفيدين من الاختراعات الجديدة، لتطبيقها في ميادين القتال، وفي بعض الأحول تكون القوات المسلحة هي صاحبة الاختراعات الجديدة، اللازمة لعملها القتالي، والتي تنتقل، بعد ذلك، للاستخدام في المجالات المدنية، مثلما اخترعت، من قبل، أجهزة الرادارات، لكشف الطائرات المعادية، وطورتها إلى منظومة متكاملة، يتم استخدامها، حالياً، في مجالات شتى، منها الطيران المدني والملاحة الجوية لتنظيم سير الرحلات الجوية، وأصبحت الرادارات أهم المعدات المؤثرة على كفاءة حركة الطيران.

وقد شهدنا في أحيان أخرى، كيفية استفادة القوات المسلحة من الأنظمة المعمول بها في الحياة المدنية، وتطويعها للمجال العسكري، وهو ما حدث في الستينيات من القرن الماضي، عندما عُين روبرت ماكنامارا وزيراً للدفاع، في الولايات المتحدة الأمريكية، من عام 1961 حتى عام 1968، في عهد الرئيسين جون كينيدي وليندون جونسون. يُعرف عن ماكنامارا أنه حاصل على درجة إدارة الأعمال من جامعة هارفارد الأمريكية، وعمل كمصرفي، قبل أن يتم اختياره وزيراً للدفاع، لتكون فترة بقاؤه في ذلك المنصب، لمدة ٧ سنوات متتالية، هي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، بعد استقالته من وزارة الدفاع، تولى رئاسة البنك الدولي.

تزامن تولي ماكنامارا مسئولية وزارة الدفاع، مع ظهور الحاسبات الآلية (الكمبيوتر) في العالم كله، ويحسب لهذا الرجل أنه أول من استخدمها لصالح العمل في القوات المسلحة الأمريكية، فأبدع نظاماً جديداً أطلق عليه “بحوث العمليات”، أو “Operations Research”. كما أسس لتحليل النظم في السياسة العامة، التي تطورت الآن باسم تحليل السياسات، مستخدماً في ذلك الحسابات الآلية، فضلاً عن بصماته في تطوير العسكرية الأمريكية، بتنظيم مهام الاستخبارات داخل البنتاجون في وكالتين؛ الأولى وكالة تأمين الدفاع، والثانية وكالة استخبارات الدفاع، معتمداً، حينها، على الطفرة التكنولوجية، المزامنة لعصره، المتمثلة في الحاسبات الآلية لتجميع ذلك الحجم الكبير من المعلومات.

من خلال تطوير البرامج والنظم الإلكترونية، استفاد ماكنامارا من ظهور الكمبيوتر، في عملية التخطيط، والتحليل، لاختيار أنسب البدائل، فمثلاً عن التخطيط لاستخدام الطائرات لضرب هدف محدد، فإن الكمبيوتر، اعتماداً على ما تم تغذيته به من معلومات، يمكنه تحديد نوع الطائرة الأنسب لتنفيذ المهمة. ومثال لذلك، إن كان لديك عدد من الطائرات مختلفة الطرازات (أ، ب، ج)، فإن الكمبيوتر يستطيع تحديد أعداد الطائرات اللازمة، ونوعيتها، كأن يختار الطائرة “ج” كأنسب البدائل لتدمير الهدف، موضحاً أسباب الاختيار، بأنها، على سبيل المثال، أقدم أنواع الطائرات الموجودة بالخدمة، وفي حال سقوطها تكون التكلفة أقل، وخاصة حينما يكون عمرها الافتراضي قد قارب على الانتهاء، وذلك بدلاً من استخدام الطائرة “أ” عالية التكلفة، المُقدر استمرارها في الخدمة لمدة طويلة. كما يمكن للكمبيوتر تحديد طريق اقتراب الطائرات من الهدف، بتجنب رادارات العدو وبطاريات الدفاع الجوي، وذلك من خلا تغذيته بالبيانات اللازمة عن مواقع رادارات الدفاع الجوي المعادية، ومجال كل رادار، وشكل دفاعات العدو الجوي.

وهنا تجدر الإشادة بالقوات المسلحة المصرية، التي تُعد من رواد استخدام فكرة “بحوث العمليات”، “Operations Research”، على يد اللواء هلودة، رحمه الله، مدير الكلية الفنية العسكرية الأسبق، الذي تولى نشر هذا الفكر في القوات المسلحة، وقام باختيار مجموعة من ضباط العمليات وكوّن أول مجموعة لبحوث العمليات، والتي ضمت، حينها، اللواء سامي جمال الدين، الذي أصبح، فيما بعد، مديراً للكلية الفنية العسكرية، واللواء محسن السلاوي، الذي أنشأ مركز إدارة الأزمات في مصر، ويعمل، حالياً، مستشاراً للسيد رئيس الجمهورية. وبعد انتهاء فترة خدمته بالقوات المسلحة المصرية، تولى اللواء هلودة رئاسة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، لتدخل مصر، حينئذ، عصراً جديداً من الاعتماد على التكنولوجيا المتطورة، في المجالين العسكري والمدني.

وفي أيامنا الحالية ظهر “الذكاء الاصطناعي”، أو “Artificial Intelligence”، مما فرض سؤلاً عن إمكانية، وسبل، الاستفادة منه في المجال العسكري، فسألت صديقي اللواء علي الببلاوي، عضو لجنة مراجعة وثائق حرب أكتوبر، وهو من الدارسين لهذا الموضوع في المجال العسكري، والصحفي أشرف مفيد في المجال الإعلامي، فأفاداني أنه بسؤال الذكاء الاصطناعي عن التوقعات باستخدامه في المجال العسكري، فوجئنا بأن معظم القوات المسلحة، حول العالم، قد بدأت، بالفعل، في استخدام الذكاء الاصطناعي، تمهيداً للاعتماد عليه، كعنصر أساسي في تطوير التطبيقات العسكرية، وتحسين القرارات التي تتخذ على المستوى الاستراتيجي، وكذلك لتقليل الخسائر البشرية في القتال.

وكطبيعة الأشياء، فلكل جديد مميزات وأيضاً عيوب، فكما ستعتمد القوات المسلحة، في أي دولة، على تطبيقات الذكاء الاصطناعي، لابد وأن تتيقن أن باقي الدول، ومن ضمنها الأطراف المعادية، ستستخدم، بدورها، الذكاء الاصطناعي، لاستنباط خطط وتوجهات باقي الدول، خاصة في ظل وفرة وإتاحة معظم البيانات والمعلومات العسكرية عن أعداد الأسلحة والمعدات وخصائصها التكتيكية والفنية لدى كل دولة. وأمام ذلك الوافد الجديد، بدأت إدارات وهيئات البحوث في القوات المسلحة، في كل دول العالم، في إعداد وتأهيل أطقمها لاستخدام الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية، وقد استقرت تلك الدول، حالياً، على استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالين؛ أولهما تقديرات القوة المعادية، خاصة فيما يخص احتمالات استخدام قواتها العسكرية ضد الغير، وثانيهما هو الخروج باستخدام قواتنا في العمليات العسكرية.

ورغم ذلك، لا أتصور أن يتم الاستغناء عن العقل البشري، في المجالات العسكرية، وغيرها من المجالات، مهما بلغت دقة الذكاء الاصطناعي. وإلى اللقاء في الأسبوع القادم، بإذن الله، لنستعرض كيف سيستخدام الذكاء الاصطناعي في العمل العسكري.

 

Email: sfarag.media@outlook.com

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى