!ماذا بعد دعوة السيسى لزيارة البيت الأبيض
خلال المكالمة الهاتفية بين الرئيس السيسى والرئيس الأمريكى ترامب، التى جرت فى الأسبوع الماضي، قدم الرئيس الأمريكى الدعوة للرئيس المصرى لزيارة البيت الأبيض. تأتى هذه الدعوة بعد نحو سبع سنوات من انقطاع الزيارات الرسمية لرئيس مصرى إلى البيت الأبيض، إذ شهدت سنوات حكم الرئيس السابق باراك أوباما، فتوراً فى العلاقات مع مصر.
وقد يتساءل البعض عن عدم تحديد موعد للزيارة، أثناء المكالمة، مثلما حدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي. وهو ما يستلزم توضيح صعوبة هذا الأمر لعدة أسباب، يأتى فى مقدمتها زيادة حجم المشكلات بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، تحت إدارة الرئيس السابق أوباما. وإذا ما أخذنا فى الاعتبار، عدد سنوات الانقطاع، لأدركنا أن تراكم تلك المشكلات قد زادها تعقيداً، وهو ما يستلزم الإعداد الجيد قبل الزيارة.
أتصور أنه، فور الانتهاء من المكالمة الهاتفية، وجه الرئيس السيسى بتشكيل فريق كامل للعمل على الإعداد للزيارة. تقع على عاتق هذا الفريق، مهمة حصر جميع المشكلات والموضوعات العالقة بين الجانبين المصرى والأمريكي، خلال سنوات الجفاء، والبحث فى جميع تفاصيلها وفى امتداد أثرها على نواحٍ أخرى. كما يعنى هذا الفريق بتحديد المطالب من الجانب الأمريكي، وفقاً لرؤية وأولويات الإدارة المصرية، والتى أعتقد أن تكون المطالب العسكرية على رأسها، من حيث التسليح والتدريبات المشتركة، والتعاون فى مجال التصنيع الحربي. وتبقى محاربة الإرهاب، والتصدى للجماعات المتطرفة فى سيناء، أهم ملفات التعاون العسكرى بين البلدين، ففى حين أن القوات المسلحة المصرية قادرة على حماية أراضيها، بفضل الله وبفضل بسالة أبنائها، إلا أنها تحتاج إلى الدعم المعلوماتى والاستخباراتي، والتعاون فى تجفيف منابع التمويل لتلك العناصر الإرهابية، ومراجعة سجلات عناصرها وقياداتها، التى لجأت للإقامة فى الولايات المتحدة، إلى غير ذلك من المعلومات المهمة.
تلى المطالب العسكرية، مجموعة من المطالب السياسية والدبلوماسية، أهمها الضغط على إيران، للتوقف عن دعم وتمويل المنظمات والجماعات الإرهابية، التى تعمل على تقويض الأمن فى منطقة الشرق الأوسط بأكملها. كما تُعنى مصر بحركة ودور الولايات المتحدة الأمريكية، فى الأروقة السياسية، لدعم عضوية مصر الدائمة فى مجلس الأمن، ممثلة عن القارة الأفريقية، حيث من المقرر أن ينضم عضوان دائمان جديدان إلى مجلس الأمن عن قارتى إفريقيا وآسيا، فى مطلع عام 2018. يضاف إلى ذلك، واحدً من أهم الموضوعات، التى أظنها ستطرح على مائدة المباحثات السياسية، وهو الضغط على المملكة المتحدة، لاتخاذ موقفمتشدد تجاه الجماعات المتطرفة، إذ أصبحت العاصمة البريطانية لندن، مقراً دائماً لمعظم عناصرها وقياداتها، علاوة على أهمية مراجعة التحويلات المصرفية، التى تتم فى المملكة المتحدة، لعناصر تلك الجماعات المتطرفة فى المنطقة.
أما حزمة المطالب الاقتصادية، التى لا تقل فى أهميتها عن البنود السابقة، فأعتقد أنها ستتمحور حول زيادة الاستثمارات الأمريكية فى مصر، وتنوع توجهاتها، مع تخفيف بعض القيود على الصادرات المصرية للولايات المتحدة، كذلك العمل على تشجيع السياحة الأمريكية إلى مصر، التى تراجعت، كغيرها، متأثرة بالوضع الأمنى فى البلاد.
يبقى، فى تصوري، موضوع آخر، سيأخذ حيزاً وجهداً كبيراً من المباحثات بين الجانبين المصرى والأمريكي، وهو مراجعة موقف المعونة العسكرية الأمريكية لمصر، والتى توقفت لنحو ثلاث سنوات فى عهد أوباما، قبل أن تستأنف مرة أخرى فى أبريل 2015، لكن بعدة شروط، من المقرر أن يبدأ تنفيذها فى 2018، وهى أن توجه المساعدات إلى أربعة أوجه فقط وهي، مكافحة الإرهاب، وتأمين الحدود، وتأمين سيناء، والأمن البحري، إلى جانب أعمال الصيانة المعتادة. بالإضافة إلى ذلك، فقد ألغى الرئيس السابق أوباما، واحدة من مميزات المعونة العسكرية لمصر، وهى «Cash Flow Financing»، أو «آلية التدفق النقدى»، وهى الميزة الممنوحة لكل من مصر وإسرائيل، بمقتضى اتفاقية كامب ديفيد، والتى تتيح للبلدين شراء الأسلحة والمعدات العسكرية، بالعقود الآجلة. وقد كان إلغاء ذلك الامتياز عن مصر، بهدف تقييدها عسكرياً، فى ظل حرص الولايات المتحدة على ضمان التفوق العسكرى لإسرائيل، بأن أقرت لها أكبر صفقة مساعدات عسكرية فى تاريخها بقيمة 38 مليار دولار، تغطى الفترة من 2019 الى 2028، والتى وصفتها الخارجية الأمريكية فى بيانها بأنها «أكبر تعهد منفرد بتقديم مساعدات عسكرية ثنائية (مع بلد آخر) فى التاريخ الأمريكي».
أتوقع أن فريق العمل قد بدأ بالفعل فى حصر، ودراسة، وتحليل كل الموضوعات المقترحة للنقاش بين الرئيسين، وفور الانتهاء من تلك المرحلة، سيجتمع هذا الفريق مع نظيره الأمريكي، للمباحثات المبدئية حول تلك الموضوعات، وهو البروتوكول المعمول به قبل لقاء الزعماء، ليتم بعد ذلك الاتفاق على موعد زيارة الرئيس السيسى إلى البيت الأبيض. وجدير بالذكر أن المباحثات المبدئية لا تصل إلى اتفاق كامل، بشأن جميع الموضوعات المطروحة، وتترك تلك الموضوعات للرئيسين لمناقشتها فى اجتماعهما.
أعتقد أن مصر تعّول كثيراً على هذا اللقاء المصرى ـ الأمريكى المشترك، وتترقبه بأمل كبير، خاصة بعد البوادر الطيبة التى أبداها الرئيس ترامب فى تصريحاته وحواراته عن الرئيس السيسى وعن مصر، وعن أهمية تمكينها من التغلب على مشكلاتها، باعتبارها حجر أساس الاستقرار فى المنطقة العربية والشرق الأوسط.