ماذا يعني أن الجيش المصري أصبح العاشر عالمياً
في الماضي، كنا ننتظر كل عام صدور كتاب Military Balance “التوازن العسكري في العالم”، الذي كان يصدره مركز الدراسات الاستراتيجية في لندن International Institute for Strategic Studies IISS، والذي كان يوضح فيه القوة العسكرية لكل دولة، من حيث أعداد الطائرات، والدبابات، والمدفعية، … إلخ، وبالتالي كانت كل التقديرات الاستراتيجية للدول تبنى على هذا التقرير السنوي. وكان لهذا المركز العديد من الإصدارات حول صراعات القوى العسكرية في العالم، إلا أن هذا المركز قد تلقى ضربة بعد حرب أكتوبر 1973، عندما أصدر تقريراً، قبل الحرب مباشرة، يفيد بأنه في حال قيام حرباً في الشرق الأوسط، بين العرب وإسرائيل، فإن الغلبة ستكون لإسرائيل، اعتماداً على مقارنة القدرات، التي أكدت أن حجم الجيش الإسرائيلي، وتسليحه، كان أكبر من الجيوش المصرية، والسورية، والأردنية. وقامت حرب 1973، وانتصر الجيش المصري، وهزم الجيش الإسرائيلي، فكانت الضربة القاضية لهذا المركز، لدرجة أن تقريره السنوي عن عام 1974 تأخر كثيراً، ليعيد المركز حساباته من جديد، قبل أن يخرج ليؤكد بوجود عامل جديد، لم يتم تقديره في حسبانه قبل حرب 73، وهو الروح المعنوية للجيش المصري عند دخوله لتلك الحرب، والتي حققت له التفوق الذي أدى إلى النصر. ومنذ ذلك اليوم، أضيفلعنصر المقارنة النوعية في الحرب، بدلاً من الاعتماد على المقارنة العددية للأسلحة، والمعدات، والقوات البشرية المقاتلة، وأصبحت الروح المعنوية للجيوش أحد العوامل المؤثرة، لتقدير قوة الجيش المقاتل.
وفي الفترة الأخيرة ظهر مركز جلوبال فير باور Global Fire Power (GFP)، كأحد المراكز الحديثة، التي اعتمدت على أحدث التكنولوجيا المتقدمة في جمع المعلومات العسكرية الدقيقة، وتحليلها. وقد خرج لنا المركز، هذا الشهر، بالتصنيف الجديد للقوى العسكرية في العالم، لتضع الولايات المتحدة الأمريكية على رأس القوى العسكرية في العالم، يليها الجيش الروسي، ثم الصيني، ثم الهندي، ثم الجيش البريطاني في المركز الخامس، ثم يأتي الجيش الفرنسي بعد ذلك، ثم الجيش الياباني، ثم جيش كوريا الجنوبية، يليه الجيش الإسرائيلي في المرتبة التاسعة، وفي المرتبة العاشرة جاء الجيش المصري، متقدماً من المرتبة الرابعة عشر التي احتلها فيما سبق.
ويجب أن نقر هنا، أن عوامل التقييم قد تغيرت، نظراً للتطور الذي حدث في أنظمة التسليح، وطرق التدريب، واختيار الأفراد … وهو ما سنتعرض له بشئ من التفصيل.
العامل الأول: تعداد القوى البشرية وهو ما يشير إلى الحجم الفعلي للقوى البشرية في الجيش، سواء كانت نظامية أو في الاحتياط. ويدخل في ذلك نوعية ثقافة الجندي، وروحه المعنوية، والغرض من اشتراكه في القوات العاملة؛ حيث أن جنود بعض الدول يعتبر من شبه المرتزقة، أي أن التحاقه بالجيش جاءمن أجل توفير لقمة العيش. يضاف إلى ذلك، دراسة عن قدرة الدولة على استدعاء الاحتياطي، ووجود نظام يسمح لقوات الاحتياط بالانتظام في الأماكن الصحيحة بالوحدات التي سينضموا إليها.
العامل الثاني: الخبرة القتالية السابقة لهذه الجيوش، وما إذا كانت حرباً تقليدية، أو حرباً ضد عصابات، أو حرباً ضد أعمال إرهاب، أو حرباً لتأمين مناطق معينة، لكل ذلك حسابات دقيقة عند تقدير القوة العسكرية للدولة. وحالياً، تعد مصر وإسرائيل هما أكثر دول العالم تفوقاً في هذا العامل، لما لهما من خبرة متميزة في القتال التقليدي بعد حرب 73، عكس تركيا، التي لم تشارك في حرب حقيقية منذ فترة طويلة.
العامل الثالث: حجم الصناعات العسكرية التي تملكها الدولة، وخاصة في مجال الأسلحة، ومجال الذخائر، والذي من شأنه تحديد القدرة العسكرية للدولة عند خوض قتال، وتحديد مدته، والذي قد لا يستمر إلا لأيام قليلة، أو أن تكون للدولة قدرة على تطوير وتحديث أسلحتها ومعداتها، طبقاً لخبرتها القتالية.
العامل الرابع: ميزانية الدولة للدفاع، وهو، بلا أدنى شك، عامل حيوي ورئيسي، تحقق به الدولة تدبير أحدث الأسلحة والمعدات، ويتيح لها التنوع في مصادر السلاح، بدلاً من الاعتماد على مصدر واحد.
العامل الخامس: التدريب، وهو ما يشير إلى مستوى التدريب الذي وصلت له الوحدات العسكرية بالدولة، وخاصة المشروعات التدريبية بالجنود والمعدات. كما يدخل في ذلك التدريب النوعي للعناصر المتخصصة، خاصة بعد التطور الكبير في الأسلحة والمعدات. يضاف إلى ذلك ما يعرف بالتدريب المشترك، مع الدول الأخرى، الذي يفتح الباب أمام اكتساب خبرات جديدة، في مجالات عدة، من دول مختلفة.
العامل السادس: الروح المعنوية … وهو أحد العناصر التي لم يكن معترف بها قبل حرب أكتوبر 1973، وأعطت تفوقاً للجيش المصري على الجيش الإسرائيلي، بالرغم من التفوق العددي للجيش الإسرائيلي من حيث الأسلحة والمعدات. وحديثاً، كان أبسط مثال للتدليل على أهمية ذلك العامل، هو ما حدث في الرمادي بالعراق، عندما ظل الجيش الأمريكي يدرب الجيش العراقي لمدة عامين كاملين، فضلاً عن إمداده بأحدث الأسلحة من الترسانة الأمريكية، والتي لم يسمح بخروج مثلها لدول أخرى، إلا أنه مع أول طلقة من عناصر داعش، انسحبت القوات العراقية، تاركة سلاحها كاملاً ليقع في أيدي عناصر داعش المتطرفة. وهو ما نرجعه إلى افتقاد الروح المعنوية للدفاع لدى القوات العراقية.
العامل السابع: وجود قوات شبه عسكرية أو شبه نظامية تعمل على تأمين الأهداف والمرافق الحيوية للدولة، حتى تتفرغ القوات العسكرية للمهام القتالية. وأعتقد أن إسرائيل هي أكثر الدول اتباعاً لهذه القاعدة، ومصر بما لديها من قوات الأمن المركزي، والولايات المتحدة بما لديها من حرس وطني.
العامل الثامن: وجود عقيدة قتالية عسكرية للدولة، تناسب قدرات، وإمكانات، وطبيعة الأهداف المخصصة للقوة العسكرية. وتعتبر مصر من أكثر دول المنطقة ذات العقيدة القتالية العسكرية الخاصة بها، بعد خبرتها في حرب 73.
العامل التاسع: التفرغ للمهام العسكرية، بمعنى عدم وجود مهام إضافية أخرى، تنهك القوات المقاتلة الرئيسية، وتقلل، بالتالي، من قوتها العسكرية الرئيسية. ولقد كان ذلك وضع مصر قبل حرب 67، حيث تواجد أكثر من ثلثي القوات المقاتلة في اليمن، منهكة في أعمال ليست ذات طابع تقليدي.
العامل العاشر: مدى اعتماد جيوش الدولة على الأنظمة الإلكترونية الحديثة في كافة المجالات، سواء في المعدات، أو في استخدام الأقمار الصناعية، وأنظمة التتبع، وأنظمة تأمين خط الحدود، … إلخ.
العامل الحادي عشر: توافر الأسلحة والمعدات المتطورة، وهو ما آراه من أهم العوامل التي حققت لمصر التقدم بأربعة مراتب ووضعتها في هذا التصنيف الجديد. فوجود مثل تلك الأسلحة والمعدات المتطورة، يحقق للدولة تنفيذ سياساتها الدفاعية، واستراتيجيتها في المنطقة. وقد تقدمت مصر في هذا العامل بعد قيام الرئيس السيسي بإتمام صفقة طائرات الرافال الحديثة وحاملات الطائرات ميسترال من فرنسا، إضافة إلى الطائرات الميج والسوخوي من روسيا، وبوصول تلك الأسلحة والمعدات، أصبحت مصر قادرة، فعلياً، على تنفيذ مهامها القتالية، لتحقيق الهدف الاستراتيجي للدولة.
عزيزي القارئ، إن هذا التقرير يعد أبلغ دليل على قوة الجيش المصري، حالياً، في المنطقة، والذي يكفل له تحقيق الهدف الاستراتيجي للدولة المصرية، وتأمين حدودها، ومصالحها الاستراتيجية سواء من البترول والغاز المنتظرين … أو المياه، وتأمين مصالحها الاقتصادية الحالية والمستقبلية. وهو ما يفرض علينا الحذر، والتأكد من أن مصر، كانت ولازالت، مستهدفة من كافة الاتجاهات من أجل هز كيان هذا الوطن وهذه الأمة، نظراً لأن لديها أقوى جيش في الدول العربية، يحمي حقوق مصر، وأمنها، وسلامتها.