الخيار النووي في الحرب الروسية الأوكرانية
٢٩ اكتوبر ٢٠٢٢
الخيار النووي في الحرب الروسية الأوكرانية
لواء دكتور/ سمير فرج
قبل ان يبدأ الرئيس بوتن بالهجوم على أوكرانيا يوم 24 فبراير الماضي، أصدر أوامره امام العالم كله الي قائد القوة النووية الروسية برفع درجات الاستعداد، تلك كانت البداية كإعلان استخدام القوة النووية في أي وقت، واعتقد ان ذلك الإعلان كان الهدف منه جزء من الحرب النفسية وعمليات الردع ضد الولايات المتحدة وقوات حلف الناتو، حيث كان تحذيرا واضحا لإخافة شعوب هذه الدول. وعندما ننظر للقوة النووية في العالم الان، حيث أطلق عليه النادي النووي الذي يتكون من 9 دول مصنفة طبقا للمخزون النووي لكل دولة، حيث تأتي روسيا على قمة النادي النووي بامتلاكها 5977 رأس نووي، بعدها تأتي الولايات المتحدة بامتلاكها 5428 رأس نووي، ثم الصين بامتلاكها 350 رأس نووي، ثم فرنسا بامتلاكها 290 رأس نووي، ثم بريطانيا بامتلاكها 225 رأس نووي، ثم باكستان بامتلاكها 165 رأس نووي ، ثم الهند بامتلاكها 160 رأس نووي، ثم اسرائيل بامتلاكها 90 رأس نووي، ثم كوريا الشمالية بامتلاكها 20 رأس نووي، ونلاحظ ان هناك ثلاث دول لم يتسنى لها الانضمام لهذا النادي النووي و هم المانيا و إيطاليا و اليابان و هي دول تحالف المحور في الحرب العالمية الثانية، و اعتقد انه بعدما حدث في الحرب الروسية الأوكرانية، فإن المانيا سوف تفكر جديا في امتلاك سلاح نووي و كذلك اليابان المحاصرة بثلاث دول نووية هي روسيا و الصين و كوريا الشمالية، و هناك بالطبع إيران التي تحاول بشتى الطرق امتلاك القنبلة النووية.
وعندما نعود لفكرة مدى إمكانية استخدام السلاح النووي في الحرب الروسية الأوكرانية يجب ان نعود الى الاستراتيجية النووية لكل دولة، أي بمعنى مبسط متى تقرر الدولة استخدام سلاحها النووي في أي حرب قادمة، ونبدأ بالولايات المتحدة التي حددت استراتيجيات استخدام سلاحها النووي بعد ازمة الصواريخ الكوبية في الفترة من 26-28 أكتوبر 1962عندما نصب الاتحاد السوفيتي آنذاك صواريخه النووية في كوبا ايام الحكم الشيوعي في كوبا برئاسة كاسترو وساعتها كاد الرئيس الأمريكي جون كينيدي أن يزيل كوبا من الوجود بتدميرها بالصواريخ النووية الأمريكية، وانتهت الأزمة بعد أربعة عشر يوماً بسحب الاتحاد السوفيتي صواريخه من كوبا، لكن جاء الكونجرس الأمريكي ليفرض قيود على استخدام السلاح النووي الأمريكي، بحيث لا يصبح في يد الرئيس الأمريكي وحده اتخاذ القرار وجاءت استراتيجية استخدام السلاح النووي الأمريكي أنه يتم عند مهاجمة الأراضي الأمريكية بضربة نووية محتملة من عدو نووي أو عند تهديد الأمن القومي الأمريكي بقوات معادية داخل أراضيه.
أما روسيا، فلقد حددت استراتيجية استخدام السلاح النووي في حالة صد ضربة نووية معادية ضد الأراضي الروسية أو اختراق الاراضي الروسية، وتهديد أمنها القومي. وعموماً، فأنه تم الاتفاق بين الدولتين، الأمريكية والروسية، على وجود خط ساخن يعمل لمدة 24 ساعة لتجنب أي أخطاء بشرية من كلا الجانبين، قد تؤدي إلى اشتعال حدث نووي غير مقصود، يؤدي إلى استخدام قوى نووية، لدرجة أنه تم الاتفاق في حالة إجراء أي تجارب نووية أو صاروخية، يتم إبلاغ كل طرف قبل التنفيذ، حتى لا يتم أي حسابات خاطئة. وعلى أي حال، فأنه ليس من المنتظر في أي وقت حدوث حرب نووية، لأن كل طرف من الأطراف لديه مخزون نووي يدمر العالم كله، لذلك لجأ الجميع إلى فكرة استخدام القنبلة النووية التكتيكية، وفيها يتم تدمير العدو المخترق العدو المخترق لحدود الدولة، أو ضد أهداف حيوية للدولة التي اخترقت قواتها حدود هذه الدولة.
وأيضاً نؤكد أن تلك الضربات النووية التكتيكية سوف تكون محدودة جداً، وسوف يكون استخدامها في أضيق الحدود، لأنها قد تؤدي إلى تطور في الصراع بين هذه الدول النووية. وهذه الأيام، قامت روسيا بالادعاء أن أوكرانيا ستقوم باستخدام القنبلة القذرة، ولقد تساءل الجميع ما هي القنبلة القذرة.
وهل تصنّف ضمن خانة الأسلحة النووية أو ضمن قائمة أسلحة الدمار الشامل؟، ولماذا هذا التخوّف الروسي من امتلاك أوكرانيا لمثل تلك القنبلة؟
تعدّ “القنبلة القذرة” سلاحاً تقليدياً وهو عبارى عن مزيج من المواد المتفجرة المزوّدة بمواد مشعّة تنتشر في الهواء بعد التفجير، ما يجعل منها خطراً على المدنيين، لكن لا ينتج عن تفجيرها انشطار نووي أو اندماج ولا يتسبّب بدمار هائل على نطاق واسع.
فـ”القنبلة القذرة” لا تمتلك التأثير المدمر للانفجار النووي الذي نجم عن القنبلة النووية التي ألقيت في ناكازاكي وتلك التي ألقيت في هيروشيما باليابان قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية 1945، حين أسفر تفجير القنبلتين عن سقوط مئات آلاف الضحايا، إضافة إلى تدمير مساحات شاسعة من الأراضي جراء التلوث الإشعاعي.
وبالتالي لا يمكن مقارنة “القنبلة القذرة” بالقنبلة النووية التي تحدث انفجاراً أقوى بملايين المرات، وتنشر سحابة إشعاع على مدى آلاف الكيلومترات المربعة، في حين الإشعاعات الناجمة عن “القنبلة القذرة” يمكن لها أن تنتشر فقط ضمن مساحة لا تتعدى بضع كيلومترات مربعة.
والخطر الأكبر لـ “القنبلة القذرة” مصدره الانفجار وليس الإشعاع، إذ إن الأشخاص القريبون جداً من موقع الانفجار هم من يتعرض لإشعاع يكفي للتسبّب بمرض خطير، حسب اللجنة التنظيمية النووية الأميركية التي تضيف قائلة: يمكن أن ينتقل الغبار والدخان المشع إلى مسافة أبعد بحيث يشكّلان خطراً على الصحة في حال تنشق الغبار وتناول أطعمة أو مياه ملوّثة
ويضيف المجلس الأمريكي المذكور أن مستوى التلوث الذي تحدثه “القنبلة القذرة” يعتمد على حجم المتفجرات، وكمية ونوع المادة المشعة المستخدمة، ووسائل الانتشار، والظروف الجوية، ويلفت إلى أن الذين هم الأقرب إلى مكان حدوث التفجير هم الأكثر عرضة للإصابة، وهكذا هذه قصة القنبلة القذرة بكل ابعادها ونتائجها.
وهكذا فإن التلويح دائما باستخدام القوى النووية هو امر يأتي في إطار الحرب النفسية وعمليات الردع المعنوي للطرف الاخر، حتى ان الولايات المتحدة أعلنت هذا الأسبوع ان روسيا ليس لديها أي نية لاستخدام السلاح النووي في الفترة القادمة، ولعل ذلك كله يطمئن الجميع ان الاستخدام النووي في الفترة القادمة امر من المستبعد حدوثه من كلا الطرفين الأمريكي والروسي وان كل هذه التهديدات والتلويح باستخدام القوة النووية يأتي في إطار الحرب النفسية.