مدينة مونترى، أحلى وأرقى مدن الساحل الغربي، للولايات المتحدة الأمريكية، بولاية كاليفورنيا، التي تعد أجمل الولايات الأمريكية، من حيث المناخ، ومناظرها الطبيعية الساحرة، وهو ما جعلها مركزاً لمعظم الأنشطة الترفيهية في الولايات المتحدة الأمريكية، مثل مدينة هوليود عصب السينما العالمية، ومدينة ديزني لاند، أول وأكبر مدينة ترفيهية في العالم، ومدينة كارمل، التي تناولها الراحل إحسان عبدالقدوس في أحد رواياته، وهي مدينة شهر العسل لأصحاب الملايين في العالم، إضافة إلى مدينة “Sea World”، أو عالم البحار، الشهيرة، في جنوب كاليفورنيا، التي لا تجد لها مثيلاً في العالم.
ولقد استغل الجيش الأمريكي الإمكانات المختلفة لهذه الولاية، فأسس بها مجمعاً علمياً ودراسياً، عسكرياً، في مدينة مونترى، المطلة على خليج مونترى، على المحيط الهادي، ولا أبالغ إن قلت أنها أجمل ما رأت عيني من بقاع الأرض.
ينقسم ذلك المجمع العلمي، التابع للجيش الأمريكي، إلى عدة أفرع، فيشمل، مثلاً، معهداً للغات، “Defense Language Institute (DLI)”، للضباط، وضباط الصف، بالجيش الأمريكي، العاملين في الخارج، في مناطق تستلزم منهم تعلم لغة هذه البلد. فتجد المعهد يدرس خمسة عشر لغة، منهم الفرنسية، والروسية، والألمانية، والعربية، والهندية، والصينية، والكورية، والإيطالية، والإسبانية، والفارسية، وغيرهم، علماً بأن تلك اللغات تنقسم، داخلياً، إلى أقسام تفصيلية، فقسم اللغة العربية، على سبيل المثال، يتكون من عدة أجنحة، فبالإضافة إلى تدريس اللغة العربية الفصحى، يتم تدريس اللهجات، واللكنات، المختلفة منها، المصرية، والخليجية، والشامية، ولهجة عرب شمال أفريقيا، وهو ما ينسحب على باقي اللغات، ما إن وجدت مثل تلك الاختلافات، التي تميز لغتنا العربية الغنية.
ومن أفرع المجمع العلمي العسكري الأمريكي، كان أكاديمية للدراسات العليا في علوم الإدارة والحاسبات، وهي “Naval Post Graduate Academy”، وفيها يحصل الدارس على دبلومات في علوم إدارة الأعمال، والحاسبات الآلية، ثم درجة الدكتوراه في هذه المجالات. وكامت الولايات المتحدة الأمريكية قد خصصت لمصر ثلاث منح لحصول ضباطها على تلك الدبلومة، وفقاً لقوانين سفر الضباط في القوات المسلحة المصرية، التي تقتضي بالإعلان عن البعثة، وشروط التقدم لها، كما يتعين، على المتقدم، اجتياز امتحان مسابقة، وهو ما أتممته، بتفوق، فتقرر سفري للحصول على دبلومة إدارة الأعمال من الولايات المتحدة الأمريكية.
استفدت من تلك البعثة، لمدة عام كامل، هي مدة الدراسة، على المستوى الشخصي، والعلمي، والعملي؛ فتعرفت، مثلاً، على اللواء الركن الأمير خالد بن سلطان، الذي صار، فيما بعد، قائداً للقوات العربية، في حرب الخليج، التي نجحت في تحرير الكويت. وحصلت على حجم كبير من المعلومات، في علوم الإدارة، ساعدتني في حياتي العملية، بعد ذلك، خاصة في مناصبي المدنية، سواء في وزارة السياحة، أو دار الأوبرا، أو الأقصر، وحتى يومنا هذا في القطاع الخاص.
كان أسلوب الدراسة أحد مميزاتها؛ كنا نبدأ اليوم الدراسي بساعة افتتاحية، لمناقشة أبرز الأحداث العالمية، وربطها بتطبيقات العلوم الإدارية، محل الدراسة، خلال هذه الفترة، كان الرئيس رونالد ريجان يقوم بجولاته الانتخابية، كمرشح الحزب الجمهوري لكرسي الرئاسة في البيت الأبيض، وخرجت علينا أبرز عناوين الصحف، في أحد الأيام، بإعلانه خفض الضرائب المفروضة بنسبة تتراوح بين 10% و12%، حال نجاحه في الانتخابات الرئاسية.
وما أن بدأنا محاضراتنا، في ذلك اليوم، حتى وجهت سؤالي لمحاضرنا، الأستاذ الاقتصادي البارز، المتخصص في المالية العامة، “هل من المعقول أن يتمكن ريجان من خفض الضرائب بالنسبة التي وعد بها، أم أنها مجرد وعود انتخابية لحصد الأصوات الأمريكية؟”، فبدا من خلال الابتسامة التي علت وجه محاضرنا، سعادته بالسؤال، مجيباً، أنه سيكون أكثر الناس سعادة، إذا ما نفذ المرشح الأمريكي وعده، ليس لأنه، كمواطن، سيدفع ضرائب أقل، كما ظننا، ولكن لأنه، كمتخصص في مجاله، سيطمئن على حال البلاد، حينها.
مستطرد، أنه لم يستغرب حملة الانتقادات التي تلقاها المرشح ريجان اليوم، من خلال برنامج “صباح الخير أمريكا”، ومتوقعاً أن تكون برامج التوك شو في المساء، أكثر حدة وشراسة في هجومها عليه.
ثم انطلق أستاذنا الجليل في تفسير الأمر، موضحاً أنه بينما تستهدف جميع الأنظمة، والحكومات، زيادة دخلها، للقدرة على تمويل مشروعات الصحة، والتعليم، والبنية الأساسية، وغيرهم مما يخدم المواطن، وهو ما تكّون الضرائب النسبة العظمى منه، إلا أن ما قاله الرئيس المرشح ريجان سليم تماماً، ضارباً لنا مثالاً بنفسه، كأستاذ في الجامعة، لو افترضنا أن دخله يعادل 4000 دولار شهرياً، فمن المتوقع أن يرتفع هذا الدخل إلى 4500 دولار شهرياً، إذا ما نفذ ريجان وعده بخفض الضرائب، وهو ما ينطبق على الكثيرين غيره، مما ينعكس على أداء الاقتصاد إيجاباً، نظراً لما ستحققه تلك الزيادات من رواج اقتصادي، متمثل، ببساطة، في زيادة الطلب، وهو ما يقابله زيادة في الإنتاج، وبالتالي زيادة في التشغيل، لتنخفض مع ذلك معدلات البطالة، فترتفع حصيلة الضرائب، بالرغم من انخفاض نسبتها.
وحيث أنني لست متخصصاً في الحقل الاقتصادي، فقد كانت تلك المرة الأولى التي استمع فيها لشرح تلك النظرية، بذلك الأسلوب المبسط، واقتنعت بمزايا خفض الضرائب، على مستوى الدولة، وآثاره الديناميكية على دورة الإنتاج، بشرط التأكد من آليات التنفيذ. ومرت الشهور، وعدت من الولايات المتحدة الأمريكية، بعدما أنهيت دراستي بتفوق، ونجح الرئيس رونالد ريجان في سباق الانتخابات الرئاسية، وتابعت تنفيذه لوعوده الانتخابية، وعلمت أنه لم يفي بوعد خفض الضرائب، بالرغم من صلاح النظرية، وثبوت نجاحها بالتجربة في بلاد عديدة، استفادت من ارتفاع حصيلة الضرائب، فور خفض نسبتها.. ومع ذلك تبقى تلك النظرية الاقتصادية جديرة بالدراسة، والنظر في تنفيذها على يد المتخصصين.