من فرانكفورت إلى الأقصر
أنا، فى الحقيقة، لا أهوى السفر بالطائرات، خاصة فى الرحلات البعيدة، التى تظل خلالها حبيس الطائرة لساعات طويلة، ليس أمامك الكثير لفعله سوى مشاهدة الأفلام أو القراءة، وإن كان صديقى الدكتور محمود محيى الدين، النائب الأول لرئيس البنك الدولي، ووزير الاستثمار الأسبق، قد علمنى ما يخفف عنى وعثاء السفر، وهو أن تنسخ لك كتابا أو اثنين، مما تستطيع تحميلهما من المكتبات الإلكترونية، على شبكة الإنترنت، وما أن تدخل الطائرة، حتى تضع «الفلاشة» على الشاشة التى أمامك، وتبدأ فى قراءة الكتاب، أو حتى الاثنين، وقد يتخللهما فيلم، حتى تنقضى الرحلة الطويلة.
على أى حال، فأنا لا أركب الطائرة إلا مضطراً، وفى غير الظروف الإضطرارية، إذا ما أتيح لى السفر داخل البلاد، فتبقى القطارات، دائماً، أمتع، وأجمل، وأرقى وسائل السفر الداخلية بالنسبة لي، عدا فى الولايات المتحدة الأمريكية، التى تتباعد المسافات بين ولاياتها، إلا فى القليل منها مما يجعل السفر بالطائرة أقل مشقة. و فى كل عام، خلال رحلتى الصيفية، كنت أبدأ بمعشوقتى باريس بالطائرة، ومنها إلى ما تيسر لى من أوروبا بالقطار. كانت أمتع تلك الرحلات، تلك التى أقطعها من باريس إلى فرانكفورت فى ألمانيا، فبالإضافة إلى الانضباط، والنظافة، والرفاهية المتوافرة فى معظم خطوط السكك الحديدية فى أوروبا، فيضاف إلى تلك المناظر الرائعة التى تشاهدها مروراً على الريف الفرنسي، قبل أن تعبر الريف الألماني؛ فلكل منهما رونقه وجماله وطريقته فى الحياة. وبالرغم من أننى كنت أكرر تلك الرحلة كل عام، تقريباً، فإننى لم أمل يوماً من هذه المناظر، بل إننى كنت أستمتع بها كل مرة عن سابقتها.
كانت أول تجربة لى مع هذه الرحلة، منذ سنوات كثيرة، لم يكن فى تلك الأيام رفاهية حجز الفندق المناسب قبل سفرك، من خلال الإنترنت، فاعتمدت على طريقتى المفضلة فى سفرياتي، وهى الاستكشاف باستخدام الخريطة الورقية. ونزلت فى محطة قطار فرانكفورت، ساحباً حقيبتي، ولا أعلم وجهتى بعد، وتجولت فى المحطة قليلاً، حتى لمحت علامة (I)، وهى اختصار لكلمة (Information)، أى الاستعلامات. فتوجهت إلى ذلك المبنى البسيط فى مظهره، العامر بما فيه من معلومات، بدءاً من اسماء الفنادق بدرجاتها المختلفة، والأسعار، والتخفيض الخاص لأنك حجزت من ذلك المركز التابع للحكومة، واسماء المستشفيات القريبة، والصيدليات، وتوقيتات أتوبيسات النقل العام، والرحلات والأماكن السياحية، والجولات السياحية بالمدينة، والمسارح والسينما وعروضهما. وخرجت من هذا المكان بعد ساعة كاملة، وقد حجزت غرفة فندقية، ووضعت جدولاً لجولاتى خلال الأيام التالية.
ومرت الأيام والسنوات، وأصبحت محافظاً للأقصر، وتذكرت مركز الاستعلامات فى فرانكفورت، وخدماته. وعلى الفور، وأمام محطة القطار كان هناك مبنى قديم، وأسفله قهوة، لن أصفها، يجلس عليها من ينتظر القطار، فقمت بإزالة المبنى، وأقمت مكانه أجمل وأرقى مركز استعلامات سياحى فى جمهورية مصر العربية. كان هذا المركز ثمرة التعاون مع المهندس أيمن عاشور، استشارى الأقصر آنذاك، وعميد كلية الهندسة بجامعة عين شمس حالياً؛ اجتمعنا سوياً ومعنا المسئولون والمتخصصون، وتم تخطيط ورسم هذا المبنى، وكأنه صورة من مبنى الاستعلامات الألماني، وتم تزويده بالخصائص والمميزات الإلكترونية المواكبة للعصر، ليخدم أبناء الأقصر والسائحين فيها على حد السواء. فعلى شاشات هناك، تستطيع أن تتعرف على جميع فنادق المدينة، وتتصفح صورها، وتقوم بجولة افتراضية داخل كل منها، وتحجز الغرفة المناسبة من خلال هذا المركز، كما يمكنك التعرف على جميع المزارات السياحية وأوقات عملها، ورسوم الدخول، وحجز كل التذاكر المطلوبة، وفقاً لجدولك. كما يمكنك من خلال هذا المركز، حجز تذاكر الطائرات والقطارات والبواخر النيلية. وفى الدور الثالث من مركز الاستعلامات، كان هناك مطعم راق يليق بمدينة الأقصر ومكانتها.
أستطيع القول، بأننا بدأنا، فى هذا المركز، من حيث انتهى الألمان، فبرمجنا جميع أجهزته إلى أربع لغات هى الإنجليزية والفرنسية والألمانية واليابانية، وأضفنا إليه اللمسات المصرية سواء من ناحية التصميم الخارجى أو الداخلي. وسرعان ما أصبح هذا المركز هو الوجهة الأولى للسياح الوافدين إلى الأقصر، للتعرف على كل ما يريده فى الأقصر، سواء الجولات السياحية، أو الثقافية، أو الترفيهية. ولم يمض ستة أشهر، حتى كان هناك تمثيل لأربع شركات طيران عالمية، داخل المركز، يمكنك من خلالها حجز تذاكرك، اثنان منهم من شركات الطيران بدول الخليج العربي، لخدمة العاملين من صعيد مصر فى دول الخليج.
وهكذا أصبح مركز الاستعلامات بمدينة الأقصر، من أشهر وأكفأ المراكز فى مصر، بل وأزيد بأنه ليس له مثيل، واليوم عندما تخرج من محطة الأقصر، درة محطات سكك حديد مصر، بعد تطويرها وتجديدها وتصميمها على الطراز الفرعوني، تجد أمامك هذا الصرح الكبير الذى تشعر بالفخر لوجوده، ولكن تذكر أن هذا الصرح ألمانى الهوية، ومصرى التنفيذ، وهذه إحدى قواعد السفر للخارج؛ أن تتعلم شيئاً جديداً، لتفيد به بلادك عند العودة، أياً كان موقعك.