الأهرامالقوات المسلحة وإنتصارات أكتوبرمقالات صحفية

رمضان على خط الجبهة المصرية

حل يوم الخامس من يونيو من عام 67، يوماً حزيناً على مصر، حين هاجم طيران العدو الإسرائيلي، فى ذلك الصباح، مطاراتنا، ليدمر الجزء الأكبر من قواتنا الجوية، ممهداً الطريق لقوات العدو البرية لتحتل سيناء، ولتصل إلى الضفة الشرقية لقناة السويس، بعدما دمرت ما بقى من قواتنا وعتادنا، فيما أطلقت عليه إسرائيل اسم حرب الأيام الستة. تخللها، يوم التاسع من يونيو، إعلان الرئيس جمال عبدالناصر، تنحيه عن الحكم، لتتضاعف أحزان وآلام الشعب المصري، والعربي، وتدفعه للخروج فى مظاهرات عريضة، لرفض التنحي، وهو ما كان إعلاناً صريحاً، من الشعب، برفض الهزيمة، والالتفاف حول قائده لتحقيق النصر.

وبدأت مصر فترة عصيبة من تاريخها، أطلقت عليها حرب الاستنزاف، امتدت من يونيو 67 حتى أكتوبر 73، التحم فيها الشعب والجيش المصري، وقدما بطولات عظيمة، استعداداً ليوم النصر… يوم التحرير، واستعادة أرض سيناء الغالية، وكرامة الجيش المصرى العظيم، الذى مُنى بهزيمة لم تكن له فيها يد!

بدأت هذه المرحلة ونحن على جبهة القتال، على الضفة الغربية لقناة السويس، نبنى الدفاعات، لنسد الطرق المفتوحة أمام العدو للتقدم نحو القاهرة، فقضينا الأيام والليالى نحفر الخنادق، والحُفر للدبابات والمدافع والعربات، تحسباً لأى هجمات إسرائيلية، وليال طويلة، أخري، قضيناها فى الخنادق، ننتظر شروق الشمس، حيث كانت المعلومات تفيد باحتمال قيام إسرائيل بهجوم لعبور القناة وتهديد القاهرة.

وهل علينا أول رمضان، فى أثناء الاستنزاف، وكان العدو الإسرائيلى يظن أن المصريين يتفرغون، خلاله، للطقوس الدينية، فقط، ويهملون أعمالهم، بينما كانت خطتنا، خلال هذا الشهر الكريم، هى زيادة معدلات العمل فى التجهيز الهندسى للمواقع؛ فكنا نقسم أنفسنا لمجموعات، بحيث يستمر العمل طوال اليوم، وحتى فى توقيت الإفطار، كنا ننقسم إلى مجموعات، تتناوب بين الإفطار، والحراسة، وأخرى تستكمل العمل، فكنا نحرك الدبابات من أماكنها، ونجرى تدريبات للمدفعية، واحتلال الدفاعات، وكان ذلك بمنزلة رسالة واضحة لعناصر استطلاع العدو، على الجانب الآخر من القناة… أن الجيش المصري، والشعب المصري، هدفهما الأول هو تحرير الأرض.

وحانت مرحلة التدريب على عبور الموانع المائية، واقتحام خط بارليف، فكنّا نتدرب على نهر النيل، فى مناطق القناطر الخيرية والرياح البحيري، وكنا نبني، على ضفاف النهر، دفاعات تحاكى خط بارليف، والساتر الترابي، لنتدرب عليها لعبور المانع المائي، ثم اقتحام نقاط خط بارليف. وأتذكر أننا كنا نتدرب، فى الأسبوع الأخير من رمضان، ضمن قوات اللواء مشاة، المقدرة بنحو 6 آلاف مقاتل، آنذاك، على التجهيز للعبور، وتزامن يوم التدريب على عبور نهر النيل، مع أول أيام عيد الفطر، فعبرناه بالقوارب، ونجحنا فى إسقاط الكباري، ومع أول ضوء ليوم العيد، كنا نهاجم نماذج الدفاعات الإسرائيلية، ونحن نستمع لتكبيرات العيد عبر الراديو الويلكو الذى أحمله فى جيبى الصغير، وأنا أنادى على جنودى اهجم للأمام لنندفع فى صحراء منطقة الخطاطبة.

بعد مرور ساعة من بدء تدريبات الهجوم، حضر إلينا الفريق محمد فوزي، وزير الحربية، آنذاك، وكنا فى موقف على الأرض، فى انتظار صد الهجوم المضاد الإسرائيلي، طبقاً لسير مشروع التدريب، فسألنا، وسأل الجنود، عن الموقف القتالى فى المشروع، وتأكد من تمام فهمنا لمهام التدريب، واستمع لكيفية تنفيذنا عبور المانع المائي، فى نهر النيل، بالقوارب المطاطية، كمحاكاة لعملية عبور قناة السويس… ولا انسى صوته، رحمة الله عليه، فى هذه اللحظة، وهو يقول، مصر النهار ده بتصلى العيد، واحنا هنا بنتدرب على القتال… لكن العيد بتاعنا هنحتفل به يوم تحرير سيناء… ساعتها هنصلى العيد فوق أرض سيناء الحبيبة. وكأن الرجل يستشرف المستقبل، فبعدها بسنوات، تم الاقتحام الفعلى لقناة السويس، وتدمير خط بارليف، يوم العاشر من رمضان، وبعدها بعشرين يوماً أقيمت صلاة العيد فوق أرض الفيروز، وأداها ربع مليون جندى مقاتل، من القوات المسلحة المصرية، احتفالاً بهذا النصر العظيم، واستعادة أغلى أرض، من العدو الإسرائيلي… سيناء الحبيبة. ويجب أن نذكر، أيضاً، فى هذه الأيام، أن العقيد أركان حرب صلاح فهمي، عندما تم تكليفه من اللواء الجمسي، لاختيار أنسب يوم لهجوم القوات المصرية، واقتحام خط بارليف، قام باختيار يوم العاشر من رمضان، لأسباب عدة، مستهدفاً، باختياره، خداع العدو الإسرائيلي، الذى لن يتوقع هجوم المصريين على خط بارليف، أقوى الدفاعات فى التاريخ، خلال شهر رمضان.

وكان من أهم إجراءات خداع العدو الإسرائيلي، ما قامت به القيادة العامة للقوات المسلحة من إعلان فتح باب أداء العمرة للضباط، وعائلاتهم، خلال شهر رمضان، فتأكد العدو الإسرائيلى من استحالة قيام المصريين بالهجوم فى شهر رمضان، لارتباط بعض القادة والضباط بأداء مناسك العمرة.

وبعد انتهاء الحرب وانتصار المصريين، وعندما قامت مراكز الدراسات الاستراتيجية حول العالم، بتحليل أعمال القتال، لم تصدق أن المصريين، تمكنوا بأسلحتهم الروسية، منذ الحرب العالمية الثانية، من الانتصار على التكنولوجيا الإسرائيلية، وهو ما أراه أحد بركات شهر رمضان العظيم، الذى كلل الله فيه جهدنا بهذا النصر العظيم.

وهكذا كان شهر رمضان فاتحة خير على مصرنا الحبيبة، وعلى جيش مصر العظيم، فلقد استعاد الكرامة، وحقق النصر المبين، فى شهر الكرم، والذى هو أعظم انتصارات الجيش المصرى فى التاريخ الحديث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى