المشاة سادة المعارك في حرب أكتوبر 1973

لواء دكتور/ سمير فرج
المشاة سادة المعارك هو المصطلح الذي عشنا عليه نحن ضباط المشاة، فهو السلاح الذي يصنع النصر، وهو الذي يهاجم العدو، والذي يصد هجمات العدو المضادة، وبعد تحقيق المهمة فهو الذي يتمسك بالأرض والأهداف المستولى عليها، وكان جندي المشاة يحارب دائما ومعه سلاح المدرعات أو دبابات، التعاون الوثيق الذي تعطي له الدرع وهو يتقدم خلال المعركة الهجومية.
ولكن يجيء التخطيط لحرب أكتوبر 73، لنجد أن فرد المشاة سيقاتل منفردا لأول مرة بدون دعم الدبابات، بل سيقاتل ويصد دبابات احتياطيات العدو بدون معاونة دبابات التعاون الوثيق وانتظار فتح الكباري وعبور الدبابات. لذلك كانت المهمة صعبة للغاية. ومنذ البداية تم تصميم سترة يرتديها جندي المشاة الذي سيعبر القناة ويقتحم خط برليف.
ومن هنا كانت هذه السترة قد حققت لجندي المشاة توفير الأسلحة الكافية التي يجب أن يحملها، لأنه سيقاتل لمدة عدة ساعات دون إمداد من المياه والطعام حتى تصل له الإمداد. بعد فتح الكباري في صباح اليوم التالي للعبور
كذلك كان كل فرد من المشاة، يحمل إثنين لغم مضاد للدبابات لغم على الصدر، وآخر على الظهر، لوضعها عند الوصول إلى الخط الذي سيتم تأمينه لتعويض نقص الدبابات بعد العبور. كذلك تم إعداد سلالم الحبال التي سيتسلق بها فرد المشاة الساتر الترابي ذات الارتفاع 20 م للوصول إلى الضفة الشرقية للقناة، بعد العبور بالقوارب المطاطية بهذه السترة التي يرتديها. وبها كل مطالبه للقتال لمدة يوم، ثم يتسلق الستر الترابي حاملا معه ذخيرته، وذخيرة الفرد الآخر الذي يكون له مساعد.ثم يقتحم خط برليف ويتقدم في عمق سيناء تجاه الشرق ليقابل احتياطيات العدو الإسرائيلي. المدرعة، وهو بدون دبابات.
لذلك كان التوجيه 41 الذي أعده الفريق سعد الشاذلي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، أنذاك، بأن تكون كل قوة من المشاة بعد اقتحام خط بارليف، لديها القدرة على صد احتياطي العدو الإسرائيلي المدرع، من دبابات مدرعة بوجود صواريخ مضادة للدبابات من نوع فهد(ساجرا) من الجيل الأول الروسي الذي سيتم توجيهها بالسلك من أفراد المشاة ضد دبابات العدو الاسرائيلي.
وهكذا، في صباح اليوم الثاني يوم 7 أكتوبر، ومع بزوغ أول ضوء تكون المركبات المدرعة تحمل الصواريخ المضادة للدبابات، وقد وصلت للمعاونة في صد احتياطيات العدو الإسرائيلي المدرعة. وهكذا تحمل فرد المشاة في هذه الحرب أن يقاتل منفردا لعدة ساعات وكانت أول مرة في تاريخ الحروب أن يقاتل جندي المشاة منفردا. ويقتحم دفاعات العدو ويصد الاحتياطات المدرعة، دون معونة من دبابات التعاون الوثيق خلال دراستي في كلية كامبرلي الملكية في إنجلترا تم استضافتي من قبل قيادة القوات البريطانية الموجودة في الراين في ألمانيا حيث أعطيت محاضرة عن استخدام المشاة المصرية للقتال بدون الدبابات في حرب أكتوبر 73
وكانت المحاضرة رائعة، عُرض فيها كيف قام جندي المشاة المصري بصد احتياطي العدو الإسرائيلي المدرع، رغم عدم وجود دبابات مصرية.
وكانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يتعامل فيها فرد المشاة منفردًا ويعتمد على الصواريخ المضادة للدبابات، كذلك القاذفة (RPG). وأعتقد أنه بعد المحاضرة التي استمرت 3 ساعات، خرج الجميع بقناعة كاملة بما قدمه جندي المشاة المصري في هذه الحرب، التي غيّرت كثيرًا من المفاهيم العسكرية.
وبعد أكتوبر 1973، صدرت العديد من الكتب والمذكرات العسكرية والنشرات العلمية التي أكدت استمرار عظمة قوات المشاة في قدرتهم على القتال بدون دعم دبابات، مع التعاون الوثيق، وتحقيق النصر، والاستيلاء على الهدف وتأمينه في مدة تصل إلى 12 ساعة. وهكذا أعادت حرب أكتوبر 1973 لقوات المشاة قيمتهم الحقيقية، لتكون بحق “سادة المعارك”. كما أثبتت معركة رأس العش أن 30 جنديًا من رجال الصاعقة استطاعوا الصمود في معركة استمرت سبع ساعات، ونجحوا في صد هجوم للعدو الإسرائيلي مكوَّن من سرية دبابات (10 دبابات)، وسرية مشاة ميكانيكية، مدعومة بنيران المدفعية.
وبالطبع، يُعد هذا إنجازًا آخر يضاف لرجال المشاة المصريين وقدرتهم في الحروب الحديثة.
ويكفي أن نقول إن مصر حققت النصر في حرب أكتوبر من خلال اقتحام خط بارليف وقناة السويس بخمس فرق مشاة، كل فرقة مكونة من 40 ألف مقاتل.
وقد كوّنت هذه الفرق رؤوس كباري في شرق القناة وتمكنت من التمسك بالأرض طوال القتال، ولم ينجح العدو الإسرائيلي في أي وقت من اختراق دفاعات أي من وحدات المشاة التابعة لهذه الفرق الخمس.
وهكذا أصبح رجال المشاة، من القوة الضاربة في أي حرب قادمة نتيجة لما حققوه في حرب أكتوبر 73، حتى أن المشاة البريطانية أطلقت على رجالهم مصطلحBBI في قدرتهم على تخطي الصعاب، وأصبحت قوات المشاة في العالم كله. تقدم في محاضرتها أن قوات المشاة عادت لريادة العمليات القتالية بسبب برعاية المشاة المصريين في حرب يوم الغفران السادس من أكتوبر 73
