غاز شرق المتوسط الذي يحير الجميع
منذ أربعة أعوام، ويومين، وفي هذا المكان، عرضت، لأول مرة، قصة غاز شرق المتوسط، من خلال وثيقة أمريكية، صنفت بأعلى درجات السرية، داخل أروقة الإدارة الأمريكية، في عهد الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما. أكدت الوثيقة، الأمريكية، أن مصر تعيش فوق بحيرة من الغاز الطبيعي، والبترول، في شرق الدلتا، والبحر المتوسط، وفقاً لدراسات جيولوجية موثقة، مشيرة إلى أن منطقة شرق المتوسط، ستصبح مصدر الثروة الجديدة.
وأضافت الوثيقة الأمريكية أن مصر سوف تكتفي ذاتياً من الغاز الطبيعي في عام 2018، لتبدأ في تصدير الفائض منه، في عام 2020، مع توقعات، قائمة على معلومات وبيانات، بأن مصر ستصبح مركزاً اقتصادياً عام 2022، مثنية على رؤية الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ونجاحه في ترسيم الحدود البحرية، مع جيرانه، وتوثيقها في الأمم المتحدة، مما كان له الفضل في تسابق كبرى الشركات العالمية للتنقيب عن الغاز، واستخراجه. كما تطرقت الوثيقة الأمريكية، المعنونة “سري للغاية”، لقرارات الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، برفع قدرة وكفاءة القوات المسلحة المصرية، من خلال شراء أسلحة، ومعدات، عسكرية جديدة، وهو ما أكدت الوثيقة على أنها قرارات استباقية، ذات رؤية ثاقبة، لحماية ثروات مصر، ومقدراتها.
عندما نشرت تلك المقالة، في هذا المكان، منذ 4 سنوات، تلقيت عدداً من تعليقات القراء الأعزاء، والأصدقاء، بأنهم اعتبروا مقالي نوعاً من أنواع تهدئة الرأي العام، الذي عارض، بعضه، صفقات تسليح الجيش المصري، كما رأوا للولايات المتحدة الأمريكية غرضاً من وراء “تسريب” تلك الوثيقة، برفع الأمل لدى عموم الشعب، ليثبت عكس ما ورد فيها، فيصاب الناس بالإحباط. والحقيقة أن الوثيقة لم تسرب، كما ظن البعض، وإنما اطلعت عليها، بصفة شخصية، كما ذكرت في مقالي السابق، والحقيقة كذلك، أن الولايات المتحدة لم تعدها للأغراض التي ظنها البعض، وإنما لأغراض أخرى، لا أرى مجالاً للخوض فيها الآن.
ما يعنيني اليوم، هو تأكيد صدق الوثيقة الأمريكية، فيما يخص الاكتشافات البترولية، أمام السواحل المصرية، في البحر المتوسط، وصدق “توقعاتها”، بتحقيق، مصر، الاكتفاء الذاتي، من الغاز الطبيعي، في عام 2018، واستعدادها لتصدير الفائض، إلى دول أوروبا، خلال العام الجاري، من خلال خط الغاز، مع قبرص واليونان، الذي تعمل مصر على توثيق اتفاقيته. وأمام ما أظهرته الدراسات الإضافية، من أن احتياطي غاز شرق المتوسط يزيد عن 200 تريليون قدم مكعب، فقد وقعت مصر 66 اتفاقية، لاكتشاف الغاز في مياهها الإقليمية، منذ عام 2015، باستثمارات بلغت 30 مليار دولار، في 3 سنوات، 11,5 مليار دولار، منهم، في حقل ظهر فقط. كما لم يكتف المخطط المصري بما ورد، في الوثيقة، من توقعات، وإنما أبرم اتفاقات إقليمية، منها أن يصل الغاز الإسرائيلي إلى مصر، خلال هذا الشهر، لإسالته في المحطات المصرية، وتصديره إلى أوروبا، ولعل المواطن المصري، يعي أهمية أن تصبح مصر مركزاً إقليمياً لتصدير الغاز الطبيعي إلى المنطقة وإلى أوروبا.
تؤكد الدراسات الجيولوجية، القائمة عليها الوثيقة الأمريكية، أن منطقة شرق المتوسط، التي تحوي ثروة الغاز الطبيعي، تشمل ليبيا، ومصر، وفلسطين، وإسرائيل، ولبنان، وسوريا، وقبرص، واليونان، دون غيرهم، وهو ما أثار حفيظة أردوغان، الرئيس التركي، فبدأ تحرشه بقبرص، بإرسال معدات للتنقيب، أمام سواحل قبرص التركية، وهي ثلث الجزيرة غير المعترف بها عالمياً، وهو ما تصدى له الاتحاد الأوروبي، باعتبار قبرص أحد دوله الأعضاء. فلما أدرك فشل محاولاته، من اتجاه قبرص، غير وجهته نحو ليبيا، واضعاً كل آماله في حكومة السراج، في طرابلس، التي وقعت معه اتفاقين؛ أحدهما أمني، والآخر لترسيم الحدود البحرية، مما أثار استياء المجتمع الدولي، نظراً لأن فايز السراج لا يملك صلاحية إبرام اتفاقات دولية، وفقاً لاتفاق الصخيرات، فضلاً عن رفض البرلمان الليبي، المنتخب، لهذه الاتفاقيات، التي ترتب عليها دخول قوات أجنبية، تركية، إلى الأراضي الليبية.
كما أصدرت الخارجية المصرية بيان، بعد استضافتها لوزراء خارجية فرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص، بصفتها دولة جوار، اعترضت فيه على التدخل الأجنبي في ليبيا، ونددت بعدم قانونية الاتفاقات المبرمة بين الجانبين الليبي والتركي. حاول أردوغان، في زيارة خاطفة إلى تونس، الحصول على الموافقة بإنزال قواته بها، للعبور منها إلى ليبيا، ظناً منه أن وجود جماعة الإخوان في البرلمان التونسي، برئاسة الغنوشي، من شأنه دعمه في الضغط على الرئيس التونسي، للموافقة، إلا أن الرد التونسي، لم يختلف عن الرد الجزائري، اللذان رفضا، قطعاً، الموافقة على مطلبه، ليجد أردوغان نفسه وحيداً وسط انتقاد الجميع. خاصة وأن الرئيس السيسي كثف اتصالاته مع رؤساء الدول، خاصة ترامب، وبوتين، وميركل، وماكرون، ورئيس الوزراء الإيطالي، الذين اتفقوا معه على رفض الاتفاق المشبوه “التركي-السراج”.
وفي ظل هذه الظروف المتشابكة، والأحداث المتتالية، والمتغيرات المطردة، نفذت القوات المسلحة المصرية، المناورة العسكرية، “قادر 2020″، كأضخم مناورة للجيش المصري، منذ عدة سنوات، باستخدام الأسلحة، والمعدات، الجديدة، في رسالة، واضحة، للخارج، بأن مصر لا تعادي أحداً، إلا أنها لا تتوانى في الدفاع عن أمنها القومي، وهو ما استعدت له بأحدث الإمكانات والقدرات. وعلى الصعيد الداخلي، بثت، تلك المناورة، الطمأنينة في نفوس المصريين، لقدرة قواتهم المسلحة، على تأمين الحدود، والاستثمارات، والثروات المصرية.
عزز من رسائل مصر، داخلياً وخارجياً، افتتاحها لقاعدة برنيس، في البحر الأحمر، للتأكيد على قدرتها على حماية الاتجاهات الاستراتيجية الأربعة، خاصة بعدما وثقت، يوم 30 ديسمبر الماضي، 4 اتفاقات، مع 4 شركات عالمية، للتنقيب على البترول، والغاز الطبيعي، في البحر الأحمر. تحقق القاعدة الجديدة، التي تحتوي على قوات بحرية، وجوية، ودفاع جوي، تأمين الاتجاه الاستراتيجي الجنوبي، لمنطقة البحر الأحمر، وباب المندب، الذي يؤمن الشريان العالمي لقناة السويس. وهكذا فإن مصر تمضي قدماً في تأمين حدودها، بحراً، وبراً، وجواً، وحماية استثماراتها، خاصة في منطقة شرق المتوسط، التي أثارت أطماع من حولها. وإذا كانت مقولة “الصراع المقبل، في المنطقة، هو الصراع على المياه”، هي الأكثر شهرة منذ زمن، فإنني أضيف إليها الغاز، لأن الصراع لن يقتصر على المياه، فحسب … لذلك فأنا على ثقة من وعي الشعب المصري، الذي سيلتف حول قيادته، وقواته المسلحة، لصد أي محاولة للنيل من مصر، وليسطر، مرة أخرى، ملحمة جديدة من تاريخها.