المصري اليوم في شكل إعلامي متطور

لواء دكتور/ سمير فرج
التطور هو سمة العصر في كل زمان ومكان، وبخاصة في مجال الإعلام، الذي اصبح امرا مطلوبًا الآن لأن الإعلام أصبح من أهم قوى الدولة الشاملة في العصر الحديث متزامنا مع القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية والجيوسياسية …إلخ.
وفي الفترات الماضية كان الإعلام يُقدَّم على أساس أنه من اتجاه واحد فقط، حيث يقوم الصحفي بكتابة مقال، أو عمل حوارات، أو أحاديث، أو تحليلات، أي أنه يقدم الإعلام من وجهة نظره واحدة فقط دون الاعتماد على مصادر اخرى.
ولكن هذه الأيام تطورت هذه المفاهيم، ليصبح الصحفي أو الإعلامي عليه أن يسمع ويرى من الباحثين والمفكرين، ومراكز الدراسات الاستراتيجية وبعدها يكتب ويقدم هذا الفكر الجديد من خلال مفهومه واراءه وتحليلات الاخرين.
وهذا ما فعلته المصري اليوم حاليًا، عندما استضافت يوم الأربعاء الماضي أحد كبار المفكرين والباحثين، وهو “جيفري ساكس” “Jeffrey Sachs” الاقتصادي والمحلل في السياسات العامة الأمريكي، وأستاذ في جامعة كولومبيا، الذي عمل سابقًا مديرًا لمعهد الأرض، ويختص بأبحاث التنمية المستدامة والتنمية الاقتصادية.
يشغل ساكس حاليا منصب مدير مركز التنمية المستدامة في جامعة كولومبيا، ورئيس شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، وهو مناصر لأهداف التنمية المستدامة.
كان ساكس مستشارًا خاصًا للأمين العام للأمم المتحدة منذ عام 2001 وحتى 2018، كما شارك في تأسيس وتحمّل مسؤولية الاستراتيجية لمنظمة “تحالف الألفية” غير الربحية التي تسعى إلى القضاء على الفقر والجوع المدقع.
وأدار من عام 2002 إلى 2006 مشروع الأمم المتحدة للألفية الخاص بأهداف التنمية الألفية، وفي عام 2010 أصبح مفوضًا في لجنة النطاق العريض للتنمية المستدامة، التي تهدف إلى تعزيز دور الإنترنت واسع النطاق في السياسات الدولية.
ومن هذا المنطلق استضافت المصري اليوم هذا العالم للمرة الثانية، لكي يتحدث إلى مجموعة من كتاب وصحفيي المصري اليوم، وبعض السياسيين والمفكرين المصريين عن الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، حيث عرض مقدمة تاريخية عن المشكلة الفلسطينية، بدءًا من وعد بلفور حتى وصل إلى القرار المنتظر تقديمه إلى مجلس الأمن في الأيام القادمة ليتم التصويت عليه بشأن الأوضاع في غزة.
وكان تعليقه أن هذا القرار الجديد المنتظر صدوره حول شكل وطبيعة عمل القوة العسكرية العربية والإسلامية أساسها مصر والامارات وقطر وتركيا للسيطرة على غزة بعد انسحاب إسرائيل ليس إلا مجرد خطة ضمن خطط حلف الناتو المفروضة على منطقة الشرق الأوسط، وأضاف أنه يجب على الأمم المتحدة، بدلًا من اتخاذ أي قرارات جديدة، أن تصدر قرارًا بقيام الدولة الفلسطينية، خاصة أن 90% من دول العالم حاليًا — أي حوالي 140 دولة — تؤيد قيام الدولة الفلسطينية.
وأكمل أن المنطقة الآن تشهد سبع حروب، في ليبيا، والسودان، ولبنان، وسوريا، والعراق، والصومال، واليمن، وأن هذه الحروب تأتي أولًا في مصلحة الصناعات العسكرية في العالم، لأن الكل يريد أن يبيع، وهذه الحروب في الشرق الأوسط أصبحت أعظم سوق لتسويق الأسلحة.
وأضاف في حديثه أن أمريكا ليست بالقوة التي تظهر للعالم، حيث ظهر ذلك من متابعة الأحداث في الحرب الروسية الأوكرانية، حيث لم تستطع أمريكا أن تفعل شيئًا سوى إمداد أوكرانيا بالأسلحة.
وتوقّع د جيفري ساكس أنه في نهاية هذه الحرب سوف تنتصر روسيا وتتغلب على العقوبات التي تفرضها أمريكا ودول الناتو.
وأضاف أنه يرى أن الدول لا يمكنها التمرد او الوقوف ضده أمريكا، لكنه يرى انه يجب تتوحد هذه الدول لأنها تملك إمكانيات تحقق لها ذلك. وأعطى مثالًا بأن الجامعة العربية، بالتعاون مع منظمة التعاون الإسلامي ومجموعة “البريكس”، يمكن لهذه الدول جميعًا أن تقف أمام أمريكا وتجبرها على تغيير سياستها.
وخاصة من الناحية الاقتصادية، فإن موقف أمريكا في مجال الإصلاح الاقتصادي أصبح يتراجع، خصوصًا أمام مجموعة البريكس، التي يمكن أن تتقدم اقتصاديًا في الفترة القادمة، وخاصة “التنين الأصفر” — أي الصين.
وأضاف أنه لن يوجد مستقبل لمنطقة الشرق الأوسط إلا بالسلام، لأن الحرب تعني لا استثمار ولا تنمية. وعمومًا، أشار إلى أن مؤتمر شرم الشيخ يمكن أن يكون البداية لإيقاف إطلاق النار ووقف إبادة الشعب الفلسطيني، ولكن ما يقوم به الرئيس ترامب هو مجرد “حقنة مسكنة” للموقف في الشرق الأوسط من وجه نظره.
ولقد استطرد جيفري ساكس أن مصر والسعودية وتركيا وإيران — جميعهم دون استثناء أو استبعاد أي طرف منهم — يمكنهم العمل المشترك لتحقيق السلام في المنطقة، حيث إنهم الأقرب والأدرى بمشاكلها وأبعادها، ولديهم القوة والقدرة بعيدًا عن الولايات المتحدة.
واختتم كلامه بأن التحرك هو أساس الحل للوصول إلى سلام في المنطقة دون الاعتماد على الولايات المتحدة، التي هدفها الدائم هو مصلحتها فقط ثم مصلحة إسرائيل.
عمومًا، كان لقاءً رائعًا، حيث تم الاستماع إلى آراء جديدة، خاصة من مثل هذا العالم ذو الخبرة الذي يعيش في الولايات المتحدة. ولقد كان النقاش ثريًا ورائعًا، وهكذا قدمت المصري اليوم نموذجًا جديدًا ومتفردًا في الفكر الإعلامي الجديد، الذي يشهد الآن التعرف على آراء الآخرين.
