القوات البحرية المصرية فخر البحار

لواء دكتور/ سمير فرج
لم يكن إطلاق اسم فخر البحار على القوات البحرية المصرية من فراغ، ولكنه جاء نتيجة قوة واداء القوات البحرية المصرية وأدائها عبر التاريخ، حيث إنها حاليا مسؤولة عن حماية أكثر من 2000 كم من الشريط الساحلي المصري على البحرين الأبيض والأحمر، بالإضافة إلى المجرى الملاحي لقناة السويس، وجميع الموانئ المصرية الحالية البالغ عددها 21 ميناء.
تُعد البحرية المصرية اليوم أقوى سلاح بحري في الشرق الأوسط وأفريقيا، وتحتل المرتبة السابعة عالميًا، إذ تُعتبر من أكبر وأعرق الأسلحة البحرية في العالم. أُنشئت عام 1946، وتحتفل بعيدها في 21 أكتوبر من كل عام، وهو اليوم الذي يوافق ذكرى انتصار القوات البحرية المصرية على القوات البحرية الإسرائيلية بإغراق المدمرة “إيلات” على سواحل بورسعيد يوم 21 أكتوبر، حيث يرقد حطام المدمرة الاسرائيلية الآن في قاع البحر أمام سواحل مدينة بورسعيد.
وقد كانت هذه المعركة بعد أربعة شهور فقط من هزيمة يونيو 1967 حيث بدأت حرب الاستنزاف التي استمرت ست سنوات بين مصر وإسرائيل، وغيّرت العديد من المفاهيم والفكر العسكري البحري والتسليح في العالم كله.
وعند الحديث عن هذه المعركة، نعود إلى كتاب العقيد بحري الإسرائيلي “يتسحاق شوشان”، قائد المدمرة “إيلات”، والذي أصدر كتابه بعد إغراقها تحت عنوان “الرحلة الأخيرة للمدمرة إيلات”. يقول شوشان في كتابه إنه أبحر من ميناء حيفا الإسرائيلي متجهًا إلى منطقة العمليات على مدخل قناة السويس، وإن المدمرة “إيلات” كان عمرها 25 عامًا حين انضمت للأسطول الإسرائيلي عام 1956، ضمن صفقة مع بريطانيا، ضمت أيضًا المدمرة “يافا”.
وذكر أن طاقم المدمرة كان يتكون من 199 فردًا، منهم 99 من طلبة الكلية البحرية الإسرائيلية كانوا في رحلة تدريبية على ظهرها. ويقول العقيد شوشان إنه مع غروب يوم 21 أكتوبر وأثناء اقترابه من مدخل قناة السويس، أبلغه عامل الرادار بأنهم سيدخلون المياه الإقليمية المصرية، فرد عليه قائلًا: “استمروا، في التقدم، إنهم مهزومون.”
ويضيف شوشان أنه بعد قليل بدأت أنوار مدينة بورسعيد تظهر في الأفق، فطلب من مساعده أن يأمر بخروج طلبة الكلية البحرية إلى سطح المدمرة لمشاهدة “نصر إسرائيل”، بينما هم يقتربون من مدينة بورسعيد ومدخل قناة السويس التي ظهرت أضواؤها عن بعد.
يذكر العقيد شوشان أن تلك كانت “غلطة الاستخبارات الإسرائيلية” — الموساد والمخابرات العسكرية (أمان) — التي لم تخبرهم أن المصريين يمتلكون لنشات صواريخ سطح سطح من الطراز الروسي “كومار”، مزودة بصواريخ “ستيكس”. فلو كانت هذه المعلومات قد وصلت إليهم، لتغيّر الموقف القتالي تمامًا في أسلوب الاقتراب داخل المياه الإقليمية المصرية .
ويتابع العقيد البحري الإسرائيلي شوشان قائلًا: بعد خروج طلبة الكلية البحرية الإسرائيلية إلى سطح المدمرة والبدء في تصوير مدينة بورسعيد، صرخ عامل الرادار على المدمرة قائلًا إن صاروخين مصريين أُطلقا باتجاه المدمرة وهنا يعلق العقيد شوشان لم يكن أمامي أي فرصة للمناورة، فسقط الصاروخان على المدمرة وأصاباها إصابة مباشرة في جانبها الأيمن. ثم لاحقًا، أطلق اللانش المصري الثاني صاروخين آخرين عليها، مما أدى إلى إغراقها بالكامل.
ويذكر العقيد شوشان في كتابه أن غرق المدمرة جاء سريعًا، فطلب النجدة من القوات الجوية الإسرائيلية التي ظلت طوال الليل تحاول إنقاذ الغرقى من طاقم المدمرة وطلبة الكلية البحرية. وتوجد صورة شهيرة للعقيد شوشان داخل الكتاب وهو يزور أحد المصابين من طاقم المدمرة في أحد المستشفيات الإسرائيلية بعد نجاته.
وهنا يجب أن نتذكر بطولات قائدي اللنشات المصرية في هذه المعركة وهم الملازم أول حسن حسني والنقيب أحمد شاكر، اللذين سطرا صفحة من أنصع صفحات التاريخ البحري المصري فهما أول قائدي لنشات صواريخ في تاريخ البحرية العالمية أطلقا صواريخ سطح سطح وتم اغراق الهدف.
وبعيدًا عن هذه المعركة، يقول اللواء سمير فرج: “في اليوم التالي، يوم 22 أكتوبر، كنت أنا الملازم أول سمير فرج في أحد المواقع الدفاعية على البر الغربي لقناة السويس، حيث قامت إسرائيل لمدة ثلاثة أيام متتالية بمهاجمة مواقعنا بكل أنواع الطائرات والذخائر، ومنها قنابل الألف رطل، انتقامًا لإغراق المدمرة إيلات. أتذكر أنني من موقعي في جنوب البحيرات كنت أرى الدخان يتصاعد من مدينة السويس، خاصة في منطقة الزيتية، ووصلت خسائر المدنيين إلى أكثر من 120 شهيدًا.”
وخلال زيارتي إلى تايوان منذ عدة سنوات لحضور مؤتمر، تمت دعوتنا لزيارة مصنع الزوارق البحرية الأمريكية في تايوان. وخلال تقديم مدير المصنع لأعضاء الزيارة، ذكر أن المصنع أُنشئ عام 1960 كمصنع مشترك مع البحرية الأمريكية لتصنيع كافة الزوارق البحرية للجيش الأمريكي زوارق الطوربيد، وزوارق الصواريخ، وزوارق الدوريات… إلخ وأنهم توقفوا عام 1967 لمدة عام بعد إغراق المصريين للمدمرة إيلات، وذلك للاستفادة من خبرة هذه المعركة، حيث طوروا جميع اللنشات البحرية الأمريكية بناءً على خبرة قتال البحرية المصرية.”
ويجب ألّا ننسى ونحن نحتفل بعيد قواتنا البحرية قصة عمليات الضفادع البشرية المصرية ضد ميناء إيلات الإسرائيلي، حيث قامت الضفادع البشرية المصرية بثلاث عمليات ضد الميناء بهدف تدمير السفينة الإسرائيلية بات شيفا وتدمير الرصيف الحربي لبناء السفن، وكان نجاح هذه العمليات شهادة للبحرية المصرية سواء في مجال تدمير المدمرة إيلات أو عمل الضفادع البشرية.
وهكذا، لنا الحق نحن المصريين أن نفتخر ونحتفل دائمًا بانتصارات قواتنا البحرية، التي لا تزال حتى اليوم ترفع راية العزة والكرامة، وتحمي حدود مصر ومياهها الإقليمية بكل فخر وشرف.
Email: sfarag.media@outlook.com