الأهرام

حصان طروادة على الجبهة الروسية الأوكرانية

 

 

 

 

لواء دكتور/ سمير فرج

تعتبر أسطورة حصان طروادة من أشهر قصص الخداع في الحروب، والتي تحكي عن الحصان الخشبي الذي بناه اليونانيون واستخدموه لخداع السكان الأصليين، الذين يعيشون في مدينة طروادة، من أجل اختراق المدينة.

 

بدأت القصة عندما خطط اليونانيون للاستيلاء على مدينة طروادة، التي تتميز بموقعها الجغرافي، الذي يسيطر على طريق التجارة الرئيسي بين روسيا وأوروبا وآسيا، مما جعلها هدفاً للغزاة والطامعين. إلا أن الأسوار العالية، والمنيعة، التي كانت تحمي المدينة، وتؤمن سكانها، حالت دون اختراقها من أي جانب. فقد حاصر الجيش اليوناني المدينة لمدة عامين، ورغم ذلك لم ينجح في اختراق أسوارها العنيدة، وهو ما دفع أحد القادة اليونانيون لابتكار فكرة صناعة حصان طروادة الخشبي، الفارغ من الداخل، بما يسمح بدخول بعض من الجنود اليونانيين فيه، ثم تظاهر الجيش اليوناني بالانسحاب، تاركاً ذلك الحصان الخشبي أمام أسوار المدينة.

 

وبعدما تأكد سكان المدينة من انسحاب الجيش اليوناني من أمام أسوار المدينة، خرجوا فرحين بانتصارهم، وسحبوا الحصان الخشبي إلى داخل المدينة. وامتدت مظاهر احتفالهم بالانتصار طوال الليل، قرعاً للطبول، ورقصاً على أنغامها، مع شرب الخمر، وفي الصباح بعدما نام سكان المدينة، خرج الجنود اليونانيون، المختبئون داخل الحصان، وفتحوا أبواب المدينة لباقي قوات الجيش، فاندفعت القوات اليونانية، مخترقة المدينة، ونجحوا في الاستيلاء عليها، بعد سنوات من الحصار، وهكذا اشتهرت خطة حصان طروادة في الأدب والأساطير اليونانية القديمة، وبقيت حتى يومنا هذا كأسطورة.

 

وبعد مرور آلاف السنين، فوجئ العالم بأسطورة حصان طروادة تتحقق، في الواقع، على يد القوات الروسية في عملياتهم ضد أوكرانيا. كانت القوات الأوكرانية قد نجحت في اقتحام الأراضي الروسية، وتحديداً في مقاطعة كورسك، الواقعة غرب روسيا، على حدودها مع أوكرانيا، وتمكنت أوكرانيا، بالفعل، من السيطرة على المنطقة التي تتجاوز مساحتها 13٠٠ كيلومتر مربع، وتضم نحو مئة بلدة وقرية روسية. والحقيقة أن تلك العملية تُعد مفاجأة بالمقاييس العسكرية، ففي ضوء مجريات الأحداث، منذ اندلاع الحرب بين البلدين، لم يتوقع أحداً أن تنجح أوكرانيا في اختراق الدفاعات الروسية، والدخول إلى الأراضي الروسية، بل والسيطرة على أجزاء منها، وهي من فشلت، قبلاً، في هجومها المضاد، المعروف باسم “هجوم الربيع”، لطرد القوات الروسية من المقاطعات الأربع، التي سيطرت عليها في مقتبل الحرب، وهي لوهانسك، ودونيتسك، وزابوروجيا، وخيرسون. والحقيقة أن روسيا لم تسيطر عليها عسكرياً، فحسب، بل قامت بعمل استثنائي، بإجراء استفتاءً بين الأهالي، خرجت نتيجته لصالح الانضمام لروسيا، بل وصدق “الدوما”، أو البرلمان الروسي على تلك النتيجة.

 

كان استيلاء أوكرانيا على مقاطعة كورسك بمثابة لطمة قوية على وجه الرئيس الروسي بوتين، لما لذلك من انعكاسات على الموقف التفاوضي لبلاده عند الدخول في أي مباحثات لتحقيق السلام، التي يتحدد طرفها الأقوى، بما يملكه من عوامل ضغط، من بينها مساحات الأرض الواقعة تحت سيطرته. لذا بدأ الروس في التخطيط لطرد القوات الأوكرانية، لضمان السيادة على طاولة المفاوضات، وبدأت مرحلة التنفيذ، على يد القوات الخاصة الروسية، في عملية عسكرية، مفاجئة، ضد القوات الأوكرانية في كورسك، شبهها الجميع بعملية حصان طروادة، حيث قامت القوات الروسية بدفع 800 جندي، من القوات الخاصة، في عملية تسلل عبر أنابيب الغاز، التي تمر من روسيا إلى أوكرانيا عبر مدينة “سودجا”!

 

كانت روسيا تستخدم ذلك الخط الكبير، البالغ قطره ١٤٠ سنتيمتر، لضخ الغاز الطبيعي إلى كل دول أوروبا، حتى توقفت بعد فرض عقوبات عليها من قِبل الغرب، فبدأت بسحب الغاز الطبيعي المتبقي في الأنبوب، ثم ضخ الأكسجين بدلاً منه، ليدخل إليه 800 جندي روسي، بأسلحتهم ومعداتهم الخفيفة، ويتوغلوا داخله لمسافة 17 كيلومتر، خلال أربعة أيام، دون أن يشعر بهم الجنود الأوكرانيون. وعند ساعة الصفر، خرج الجنود الروس، من الأنبوب، خلف خطوط الدفاع الأوكرانية، فاستسلم أكثر من 400 جندي أوكراني، وعلى الفور استولى الروس على المعدات والأسلحة الحديثة التي زودهم بها الغرب، بينما وجدت باقي القوات الأوكرانية نفسها محاصرة من الخلف.

 

ذكرت مجلة فوربس الأمريكية أن الجيش الروسي استولى على عدد كبير من المركبات والآليات العسكرية، بالإضافة إلى أحدث الأسلحة والمعدات الغربية دون قتال. وقد ناشد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، بضرورة استخدام الرأفة مع الجنود الأوكرانيين المحاصرين في كورسك، ومراعاة حقوق الإنسان في التعامل معهم. وفي المقابل، رد الرئيس الروسي، بأنه سيتعامل معهم وفقاً لقواعد القانون الدولي، في حال استسلامهم، وهو ما يضمن سلامتهم، أما أي محاولة للعصيان أو التصعيد، فلن يقابلها إلا الرد العسكري.

 

أطلق الروس على هذه العملية اسم “Potok”، أو “السيل”، والتي أظنها سبباً لأن يتنفس الرئيس الروسي، بوتين، الصعداء، إذ ضمن الجلوس على مقعد الأقوياء على طاولة المفاوضات، بعدما حرر أراضي بلاده. إذ تمكنت القوات الروسية من الوصول إلى عمق صفوف العدو، وتطويق دفاعاته، دون أي عمليات قتالية تذكر، وانتهت المعركة في أيام قليلة، دون إطلاق طلقة واحدة أو صاروخ، ونجحت الخطة الجديدة، والمبتكرة، بفضل حسن التخطيط، وسلامة الإدارة، ودقة التنفيذ. بينما سيظل العالم يتحاكى أنه عاصر تجسيداً واقعياً لأسطورة حصان طروادة، وإن كانت، هذه المرة، عبر أنابيب الغاز، وليس الحصان الخشبي.

 

 

 

Email: sfarag.media@outlook.com

 

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى