الارتباك الذي أصاب حلف ناتو
لواء دكتور/ سمير فرج
فجأة، بينما يستعد الجميع إلى انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية، بعد وصول الرئيس الأمريكي ترامب إلى كرسي الحكم في البيت الأبيض، بسبب إعلانه خلال حملته الانتخابية أنه لو كان موجوداً لما حدثت هذه الحرب، وأنه فور وصوله للحكم سوف ينهي هذا القتال
إلا أننا فوجئنا، منذ بضعة أيام، بقرار الرئيس الأمريكي، الحالي، جو بايدن، بالسماح لأوكرانيا باستخدام السلاح الأمريكي في ضرب العمق الروسي، وهو ما أثار حكومات، وشعوب، كافة دول العالم، لعلمهم بعواقب ذلك القرار، الذي ينطوي تنفيذه على تحويل القتال من حرب تقليدية، محدودة النطاق من حيث العمليات العسكرية، وإن خيمت آثارها الاقتصادية على معظم دول العالم، إلى حرب نووية، عالمية، تمتد عواقبها على الجميع، دون استثناء، أو تمييز.
خاصة أن نفس الرئيس الأمريكي جو بايدن، عندما دعم أوكرانيا في الأعوام الماضية بالأسلحة الأمريكية طويلة المدى، مثل الهيمارس، كان تحذيره واضحاً بعدم استخدام هذا السلاح لضرب العمق الروسي.
وفجأة قامت أوكرانيا بعد السماح لها من الرئيس الأمريكي باستخدام الصواريخ الأمريكية لضرب العمق الروسي وقامت باستخدام صواريخ كروز طويلة المدى من طراز ستورم شادو، بريطانية الصنع ضد أهداف العمق في الأراضي الروسية، وذلك بعد يوم من استخدام كييف لصواريخ آتاكامز الأمريكية ضد الأهداف في العمق الروسي وبعدها مباشرة، قامت روسيا بقصف للمجمع الصناعي العسكري الأوكراني بمدينة «دينيبروبيتروفسك» لأول مرة بصاروخ باليستي عابر للقارات (ICBM) طراز «RS-26 Rubezh» محمل بـ 6 رؤوس تقليدية غير نووية ذات قدرة تفجيرية عالية من قاعدة «كابوستين يار» بمنطقة «إستراخان» الروسية الواقعة على بحر قزوين ، ما أدى إلى تدمير المجمع الصناعى تدميراً كاملاً وانقطاع الكهرباء عن العاصمة كييف وثلاث مدن كبرى في أوكرانيا التي أقرت بأن المجمع الصناعي تم تدميره بشكل كامل
والصاروخ الباليستي العابر للقارات هو سلاح استراتيجي بعيد المدى مصمم لإيصال رؤوس حربية نووية. يتم إطلاقه إلى الفضاء ويطلق رأسًا حربيًا يعود إلى الغلاف الجوي لضرب الأهداف. ووفقًا لمركز مراقبة الأسلحة ومنع الانتشار، يبلغ مدى الصواريخ الباليستية العابرة للقارات 5500 كيلومتر (3400 ميل) على الأقل ويمكن أن يمتد حتى 9000 كيلومتر، مع إصدارات مختلفة تحقق استهدافًا دقيقًا للهدف المراد تدميره
حيث يمكنها حمل رؤوس حربية تقليدية ونووية، ويتم دفعها في البداية بواسطة الصواريخ، وتتبع مساراً تصاعدياً غير مزود بمحركات قبل النزول إلى أهدافها. ويمكن إطلاق هذه الصواريخ من منصات أو مركبات متحركة وتستخدم الوقود الصلب أو السائل. علما بإن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات التي تعمل بالوقود الصلب أسرع في الإطلاق، مما يجعلها أكثر خطورة وقد أطلق الإتحاد السوفييتي أول صاروخ باليستي عابر للقارات في عام 1957، ثم تبعته الولايات المتحدة في عام 1959
.الصاروخ الباليستي «RS-26 Rubezh» الذي تم استخدامه ضد اوكرانيا لأول مرة في الحرب هو صاروخ باليستي استراتيجي قادر على حمل رؤوس نووية وتقليدية ، يزن نحو 50 طن ، وتبلغ سرعته «10 ماخ» ، فيما يبلغ مداه الفعال من 5000 إلى 6000 كيلومتر ، وقد استغرقت رحلة الصاروخ منذ إطلاقه من شرق روسيا حتى وصل إلى ضواحي العاصمة الأوكرانية «كييف» حوالي خمس دقائق فقط ، وهو من الصواريخ الممنوع استخدامها حسب اتفاقية كان قد تم توقيعها بين روسيا وأمريكا للحد من انتشار الصواريخ الباليستية ، ولكن أمريكا انسحبت من الاتفاقية سنة 2019
جدير بالذكر أن روسيا تستطيع إنتاج 6 إلى 8 صواريخ شهرياً من هذا الصاروخ الجبار والمعروف برؤوسه الحربية التي تُدعى «رأس الشيطان»
وحسب أراء الخبراء المتخصصين فإن استخدام روسيا لهذا الصاروخ سيغير من الإستراتيجيات والخطط الغربية بالكامل ، بسبب قدرته على الوصول لأي هدف في أوكرانيا وأوروبا كلها بل والقارة الأمريكية أيضا دون أن يتمكن أحد من اعتراضه او اكتشافه
وفى تصريح لوزارة الدفاع الأوكرانية إن الدفاعات الجوية لم تستطع إسقاط الصاروخ ، بل إنها لم ترصده على راداراتها من الأساس ، مضيفة أنه لا يوجد حتى الآن نظام دفاعي يستطيع رصده أو اعتراضه ، وهو ما يخيف جميع أعضاء حلف الناتو.حاليا
فيما صرح مدير شبكة أبحاث الجغرافيا السياسية الجديدة «ميخالو ساموس» : أن روسيا باستخدامها لهذا الصاروخ لأول مرة فإنها تنقل الحرب لمستوى جديد تماماً ، وترسل رسالة غير نووية محملة على صاروخ مصمم لحمل الرؤوس النووية لكل قادة أوروبا مفادها أن روسيا ستستخدم هذه الصواريخ من الآن فصاعداً وفي كل مكان بعد انسحاب أميركا من معاهدة عدم استخدام تلك الصواريخ في عام 2019 ، وأن كافة بلدانهم وقارتهم حاليا كلها تحت رحمة الصواريخ الإستراتيجية الروسية ، سواء كانت محملة برؤوس تقليدية أو نووية ، وأنه يجب على قادة أوروبا أن يراجعوا حساباتهم جيداً، وأنه اذا تمادت أوكرانيا مجدداً وقصفت المدن الروسية، في العمق فسيتم استبدال رؤوس تلك الصواريخ وفي أي لحظة برؤوس نووية ، وسيكون الهجوم الروسي أقوى بكثير وأكثر فتكاً وتدميراً ،
وبشكل شامل
وعلى الجانب الآخر، بدأت قيادات حلف الناتو والقيادة الأمريكية في دراسة احتمالات توسيع شكل الصراع الذي يتم الآن على الأراضي الروسية، الأمر الذي سيدفع بوتين إلى اتخاذ قرارات حاسمة نحو التحول إلى الحرب النووية. خاصة أن الجميع يعلم أن بوتين أعلن من قبل أن روسيا لن تخسر ابداً هذه الحرب
ولقد كانت النقاشات الدائرة في اجتماعات حلف شمال الأطلنطي في الأسبوع الماضي، إن ذلك الصاروخ الروسي الجديد لن يتم اكتشافه أو اعتراضه، الأمر الذي وضع قيادة حلف الناتو، ومعهم القيادة الأمريكية، في حالة هلع أمام هذا الصاروخ الجديد الذي من الممكن أن يصل إلى أوروبا في دقائق، قبل أن تتمكن الدفاعات الجوية في أوروبا من اكتشافه، وبالتالي اعتراضه.
لذلك أعتقد أن المرحلة القادمة ستشهد قيام كل مراكز القيادة والأبحاث في دول حلف الناتو في دراسة أسلوب التعامل مع هذا الوحش الجديد المخيف، حيث ستكون الرأس المدمرة، هذه المرة، ليست متفجرات، بل نووية بينما سيتم الضغط على أوكرانيا لإيقاف مهاجمة العمق الروسي لحين دراسة الأوضاع المستقبلية خلال الفترة القادمة وخاصة من جانب الرئيس الأمريكي ترامب.