الأهرام

لماذا لم تفعلها كامالا؟

 

 

 

لواء دكتور/ سمير فرج

تابعنا، خلال الأسابيع الماضية، سباق الانتخابات الرئاسية، للولايات المتحدة الأمريكية، بين الرئيس دونالد ترامب، ومنافسته كامالا هاريس، نائب الرئيس الأمريكي، الحالي. وبالرغم من يقيني من فوز ترامب، إلا أنني كتبت مقال، في هذا المكان، تساءلت فيه عن احتمالات فوز كامالا هاريس، وقدرتها على قلب موازين التوقعات، المشيرة، بنسبة عالية من اليقين، إلى فوز الرئيس ترامب. إلا أن الواقع، أن هذا الاحتمال، كان صعباً، أو شبه مستحيل، في ضوء أن كامالا هاريس قادت أقصر حملة انتخابية رئاسية، في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، لمدة لم تتجاوز ١٠٠ يوم، إذ لم يسمح لها بخوض السباق الانتخابي على منصب الرئيس الأمريكي، إلا بعد أقرار الحزب الديمقراطي بعدم عدم قدرة الرئيس، جو بادين، على مواصلة الانتخابات، ودفعه بكامالا كمرشحة بديلة.

 

استعرضت، في مقالي السابق، خلفية كامالا هاريس، موضحاً أنها سياسية، ومحامية، شغلت منصب عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، عن ولاية كاليفورنيا، من عام ٢٠١٧ حتى توليها منصب نائب الرئيس الأمريكي في عام ٢٠٢١. ولدت كامالا لأبوين مهاجرين؛ فوالدتها، شيامالا جوبالان، عالمة هندية متخصصة في سرطان الثدي، هاجرت من الهند من إلى الولايات المتحدة، للحصول على درجة الدكتوراه، وتزوجت من والد كامالا، دونالد هاريس، أستاذ الاقتصاد بجامعة ستانفورد، المهاجر من جامايكا في عام ١٩٦١، لذا تصنف كامالا على أنها من أصحاب البشرة السوداء.

 

انفصل والداها، وهي في عمر السابعة، واحتفظت الأم بحضانة كامالا وأختها الصغرى، وبعد تخرج كامالا هاريس من المدرسة الثانوية، في عام ١٩٨٠، التحقت بأحد جامعات العاصمة الأمريكية، واشنطن، وحصلت على بكالوريوس الاقتصاد والعلوم السياسية، قبل عودتها إلى كاليفورنيا، لاستكمال دراستها العليا، والحصول على درجة الدكتوراه في القانون من جامعة كاليفورنيا. تم تعيينها، بعد ذلك، نائباً للمحامي العام، وفي عام ٢٠١٠ فازت في انتخابات المدعي العام لولاية كاليفورنيا، ثم فازت في انتخابات مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا، وفي يناير ٢٠٢١، أصبحت النائب رقم ٢٩ لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وقادت البلاد، قيادة مؤقتة، لمدة ساعة ونصف، أثناء خضوع الرئيس، بايدن، لفحص روتيني.

 

ولما حان موعد الترشح لانتخابات الرئيس رقم ٥٠ للولايات المتحدة الأمريكية، أصر الحزب الديمقراطي على إعادة ترشيح الرئيس الحالي، جو بايدن، إلا أن قيادات الحزب أفاقت على التراجع الحاد لشعبية مرشحهم، في أعقاب المناظرة العلنية، الأولى، التي جمعته بالرئيس الأسبق دونالد ترامب، المرشح عن الحزب الجمهوري، مما دفع الحزب الديمقراطي لعقد مؤتمر، لمدة أربعة أيام، في مدينة شيكاغو، بولاية إلينوي، أعلن، بعده، في أواخر يوليو ٢٠٢٤، ترشيح كامالا هاريس، رسمياً، لخوض الانتخابات أمام ترامب.

 

من يومها، بدأت كامالا في تنفيذ حملتها الانتخابية، أمام ترامب، الذي بدأت حملته الانتخابية، فعلياً، منذ ٤ سنوات، عقب فوز بايدن، لم يتوقف خلالهم عن الظهور، شهرياً، على مختلف وسائل الإعلام ومنصاته المسموعة والمرئية والاجتماعية، مرة للطعن في نزاهة الانتخابات التي فاز فيها بايدن، ومرة للدفاع عن نفسه فيما اتهم فيه من قضايا، مؤكداً أنها اتهامات كيدية، الغرض منها عرقلة ترشحه في الانتخابات القادمة. ومرات أخرى، كثيرة، للإعلان عن رأيه في الأحداث العالمية، التي كان من الممكن تجنب نشوبها لو كان موجوداً على رأس الإدارة الأمريكية.

 

أما كامالا هاريس فلم يسمع الناخب الأمريكي، عن برنامجها الانتخابي إلا خلال ١٠٠ يوم، فقط، حتى أن كثيراً من أفراد الشعب الأمريكي لم يتعرف على صوتها، خاصة وأن دورها في منصب نائب الرئيس الأمريكي، كان محدوداً للغاية، حتى أن البعض وصفها بلغة أهل السينما وصناعها، بأنها “كومبارس صامت”، اقتصر دورها على الوقوف خلف الرئيس الأمريكي دون النطق بكلمة واحدة طوال الأربع سنوات. في حين كان صوت ترامب مجلجلاً، طيلة أربع سنوات كاملة. وحتى عندما حاولت استمالة الطبقات الفقيرة، بتصريحها بأنها عملت في أحد المطاعم الشهيرة للوجبات السريعة، وهو ما يجعلها تشعر باحتياجات تلك الطبقة، أمام سطوة الملياردير ترامب، جاء رده، سريعاً، بالوعد بازدهار اقتصادي، وفرص للعمل، وتخفيض للضرائب، اعتماداً على إنجازاته الاقتصادية خلال فترة رئاسته الماضية.

 

حُملت كامالا هاريس بفاتورة أخطاء الرئيس جو بايدن، بما فيها ملف التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين لأمريكا، الذي جعلها من أكثر الدول التي تشهد عمليات إجرامية، وفقاً لتصريحات ترامب، والحقيقة أن كامالا تحملت خطأ الحزب الديمقراطي، الذي تأخر في ترشيحها للرئاسة الأمريكية، بسبب الإصرار على إعادة ترشيح جو بايدن لفترة رئاسة ثانية، رغم اتجاهات الرأي العام، التي لم تكن مبشرة بنجاحه، ورغم دعم الرؤساء السابقين من الحزب الديمقراطي، أوباما وكلينتون وزوجاتهم، لكامالا هاريس، إلا أن ذلك لم يكن كافياً، في ضوء ضيق الوقت، وهو ما أكدته نانسي بلوسي، رئيسة الكونجرس السابقة، في لومها على قرارات الحزب الديمقراطي، المتأخرة، التي لم تسمح لكامالا إلا بمائة يوم، فقط، في حلبة السباق أمام خصم قوي، وعنيد، مسلح بكافة الأدوات الانتخابية، وأهمها الوقت، على مداد أربع سنوات، وإنجازات اقتصادية سابقة، فضلاً عن كاريزما، لاقت استحسان الشارع أمريكي، فلم يكن متوقعاً لكامالا الفوز أمامه.

 

لذا لم تأت خسارتها كمفاجأة، وإن كان يكفيها شرف المحاولة في مائة يوم، فقط، والتي أظنها ستكون النواة الأولى لمعركتها الكبرى، بعد أربعة أعوام من الآن، بالتخطيط والاستعداد للنجاح في المرة القادمة.

 

Email: sfarag.media@outlook.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى