فوق سماء المنصورة سقطت طائرات إسرائيل

لواء دكتور/ سمير فرج
دارت معركة المنصورة الجوية يوم الرابع عشر من أكتوبر ١٩٧٢، تلك المعركة التي شهدتها سماء الدلتا المصرية، فوق مطار المنصورة العسكري، بين ٢٠٠ طائرة حربية، على مدار ٥٣ دقيقة، لتسجل كأطول، وأعنف، معركة جوية في التاريخ العسكري الحديث، ورغم التفوق العددي، والنوعي، لطيران العدو، إلا أن حجم الخسائر، بين صفوفهم، وصلت إلى ١٧ طائرة إسرائيلية، بينما خسرت مصر خمس طائرات؛ اثنتان منهم بسبب نفاذ الوقود.
حظيت تلك المعركة باهتمام الدوائر العلمية العالمية، لعدة أسباب؛ أولها، أنها كانت المرة الأولى التي يدور فيها قتال جوي، مباشر، بين طائرات روسية الصنع، وطائرات غربية الصنع. والسبب الثاني أنها أول معركة جوية تستخدم فيها أسلحة إلكترونية حديثة، والأسلحة الإلكترونية المضادة، خصوصاً التشويش على رادارات الطائرات من كلا الجانبين. أما السبب الثالث فلأنها أبرزت كفاءة عناصر التوجيه الأرضي، في غرف عمليات المطارات المصرية والإسرائيلية، كما ظهر فيها كفاءة الأطقم الأرضية، خاصة على الجانب المصري، التي نجحت، مع هذا الكم من الطائرات، في الجو، طوال مدة المعركة. كما كان لاشتراك ٤ مطارات حربية، مصرية، في هذه المعركة، الفضل في رفع تقييم القوات المصرية، لصعوبة تنسيق خروج الطائرات من تلك المطارات، وتوقيتات الاشتباك الجوي، والعودة بسلام، خاصة أن معظم المطارات في الدلتا متقاربة، بعكس الطائرات الإسرائيلية، فكانت بعيدة، الأمر الذي يسهل السيطرة عليها.
وكان للخبرة، المتراكمة، للقوات الجوية المصرية، في التعامل مع قوات العدو، خلال حرب الاستنزاف، الفضل في التفوق الفكري، في فهم لغة الخصم، حيث كان الفكر الإسرائيلي الجوي، يعتمد، دوماً، على الهجوم من خلال ثلاث موجات؛ مهمة الموجة الأولى، إغراء المقاتلات المصرية، واستدراجهم لاتجاهات بعيدة عن الأهداف المكلفين بالدفاع عنها، أما الموجة الثانية الإسرائيلية وهي القوة الأساسية، المكلفة بالهجوم على الرادارات، ووحدات الدفاع الجوي المصري، من الصواريخ والمدفعية، بينما تختص الموجة الثالثة بضرب الأهداف المحددة لها، كتدمير القواعد العسكرية المصرية.
ففي الساعة الثالثة وخمس عشر دقيقة، عندما أنذرت مواقع الرادارات المصرية، على ساحل الدلتا، باقتراب ٢٠ طائرة، من ناحية البحر المتوسط، لتجنب حائط الصواريخ المصري، على الضفة الغربية لقناة السويس. قررت قيادة القوات الجوية المصرية عدم اعتراض الموجة الأولى، مما أفشل مهمتها فعادت أدراجها، إلى القواعد الجوية الإسرائيلية. وفي الساعة الثالثة والنصف، أظهرت شاشات الرادارات المصرية، وجود ٦٠ طائرة قادمة من ثلاث اتجاهات، من ناحية البحر؛ بورسعيد، وبلطيم، ودمياط، فأقلعت ١٦ طائرة، من مطار المنصورة الجوي، ثم ٨ طائرات من قاعدة طنطا الجوية، للتصدي لها. أعقب ذلك، بثمان دقائق، إنذار للقوات الجوية، باقتراب ١٦ طائرة إسرائيلية، قادمة على ارتفاع منخفض، وبدأ القتال الجوي، ليبدأ معه تدفق باقي الطائرات الإسرائيلية، واشتعلت السماء المصرية بأكبر معركة جوية، استخدم فيها الجانبان، أحدث ما يملكانه في ترساناتهما الجوية، سواء المقاتلات، أو أجهزة التشويش اللاسلكي، والراداري.
Email: sfarag.media@outlook.com