الأهرام

إيران في ورطة

 

 

لواء دكتور/ سمير فرج

 

بعد اثنان وعشرون يوماً من اغتيال إسماعيل هنية، في العاصمة الإيرانية، طهران، يوم الاحتفال بتنصيب رئيسها الجديد، لازال الموقف الإيراني متأرجحاً بين خيارين؛ فبينما صرح المرشد الإيراني بأن بلاده سترد بقسوة على إسرائيل، نجد الرئيس الإيراني الجديد، ومعه العديد من قادة الجيش، يرون في الرد الإيراني القوي على إسرائيل، ذريعة، للأخيرة، لتوجيه ضربة عسكرية ثانية، ضد إيران، قد تشمل الهجوم على كافة المواقع النووية والمفاعلات في إيران.

تبدأ القصة عندما اتخذت إيران خطوات جادة لإنتاج القنبلة النووية، مما دفع دول الغرب لفرض حصار اقتصادي عليها، لمنعها من الانضمام للنادي النووي، الذي يضم تسع دول، هم، الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وروسيا، والصين، والهند، وباكستان، وإسرائيل، وكوريا. ومنذ ذلك الحين، شرعت إسرائيل في تغيير استراتيجيتها للأمن القومي، بعدما صارت إيران، بالنسبة لها، العدو الأول، والرئيسي، مما دفعها لسؤال أمريكا، مرتين، أثناء حكم الرئيس الأسبق، باراك أوباما، للسماح لها بشن ضربة استباقية ضد إيران، يتم فيها مهاجمة جميع مواقع المفاعلات النووية، لحرمانها من الحصول على السلاح النووي، وللحفاظ على مركز إسرائيل، كالمالك الوحيد للسلاح النووي بالشرق الأوسط.

وحيث أن أمريكا لم تعطها الضوء الأخضر، فقد قامت إسرائيل، في الفترة ما بين عام 2010 وعام ،2012 بعدد من عمليات الاغتيال والتصفية، التي طالت كبار العلماء الإيرانيين العاملين في المجال النووي؛ فاغتالت أربعة، وهم مسعود محمدي، ومجيد شهرياري، وداريوش رضائي نجاة، ومصطفى أحمد روشن، مستخدمة في ذلك القنابل المغناطيسية ضد ثلاثة منهم، بينما أطلقت الرصاص، على الرابع، أمام منزله، وأردته قتيلاً. وفي يونيو 2012، أعلنت الحكومة الإيرانية إلقاء القبض على جميع الإرهابيين، التابعين لمنظمة مجاهدي خلق، المسئولة عن تنفيذ عمليات الاغتيال، بدعم وتدريب من الموساد الإسرائيلي. وخلال ذلك الوقت، أعلن موشي يعلون وزير الدفاع الإسرائيلي، بأن إسرائيل لا يمكن أن تقبل، تحت أي ظرف، امتلاك إيران للسلاح النووي.

ومنذ ذلك الوقت، وعلى مدار السنوات الماضية، بقيت إيران كلها، تحت منظار جهاز الموساد الإسرائيلي، وأعوانه، لمتابعة تطور إنتاج السلاح النووي في إيران، ومستوى تقدم تخصيب اليورانيوم في المفاعلات النووية الإيرانية. لنتفاجأ، في الأول من شهر أبريل، الماضي، بقيام إسرائيل بعملية، لا يمكن وصفها بأقل من كونها “استفزازية”، هاجمت خلالها مبنى القنصلية الإيرانية، في دمشق، بصواريخ من طائرات مقاتلة، مما أسفر عن سقوط 11 قتيل، معظمهم من الإيرانيين، من بينهم سبعة مستشارين عسكريين، على رأسهم محمد رضا زاهدي، أحد قادة فيلق القدس الإيراني.

فشمرت إيران عن ساعديها، للرد على إسرائيل، في عملية عسكرية، أطلقت عليها اسم “الوعد الصادق”، علقت، شخصياً عليها، في جميع وسائل الإعلام، بأنها لا تعدو كونها تمثيلية، نفذتها إيران لحفظ ماء الوجه، أمام شعبها، وأمام المجتمع الدولي، إذ نفذت عمليتها في صورة هجمات جوية محدودة، استخدمت فيها طائرات مسيرة، وعدد من الصواريخ الباليستية، وصل عددها، وفقاً للتقارير المعلنة لنحو 300 صاروخ باليستي، و170 طائرة مسيرة، اعترضتها إسرائيل، من خلال نظامها للدفاع الجوي. فضلاً عن مشاركة كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، والأردن بعناصر لاعتراض، تلك الطائرات المسيرة والصواريخ، وانتهت تلك الضربة، أو التمثيلية، الإيرانية، ضد إسرائيل، بإصابة طفلة في صحراء النقب.

والحقيقة، أنه بتحليل أسلوب تخطيط وتنسيق وتنفيذ ذلك الرد، قد نجده سليماً، من وجهة النظر الإيرانية، إذا ما أخذنا في الاعتبار حرصها على عدم تنفيذ ضربة قوية ضد إسرائيل، ينتج عنها رداً إسرائيلياً بتدمير المفاعلات النووية الإيرانية، بما يمحي كل أمل، أو سعي، إيراني لإنتاج أول خمس قنابل نووية، بحلول عام 2025، ودخول النادي الدولي النووي.

إلا أن إسرائيل لم تكتف بهجومها “الاستفزازي” في شهر إبريل، وما هي إلا بضعة أشهر، حتى وجهت ضربتها الثانية، الأقوى، في نهاية يوليو الماضي، باغتيال إسماعيل هنية، لتضع إيران في ورطة، ما بين المغامرة بالرد القوي، رغم ما قد ينتج عنه من تدمير مفاعلاتها النووية، خاصة بعد إعلان إسرائيل، الأخير، بأنها تعتزم تنفيذ ضربة استباقية، Primitive Strike، ضد إيران، لو شعرت أنها ستقوم بتنفيذ ضربة عسكرية، أو اختيار الصمت، وهو ما يضعها في موقف حرج، ولا يضمن سلامة برنامجها النووي. ورغم التحذيرات الأمريكية لإسرائيل بعدم تنفيذ أي ضربات استباقية، كي لا تشتعل المنطقة، وتتحول لحرب إقليمية، ورغم ما قامت به إيران، مؤخراً، من نقل أماكن معظم مفاعلاتها النووية إلى الجبال، إلا أنها على يقين من أن شحنة القنابل الجديدة، التي سلمتها أمريكا لإسرائيل، قادرة على تدمير المفاعلات الإيرانية، إن طالتها.

وعلى أساسه تأخر الرد الإيراني، الذي بررته إيران، مرة، بانتظار نتائج مباحثات وقف إطلاق النار في غزة، التي قد يثنيها نجاحها عن الرد على إسرائيل، ومرة أخرى، بانتظار تشكيل الحكومة الإيرانية الجديدة، للاتفاق على تنفيذ الضربة العسكرية ضد إسرائيل. إلا أن بعض الأنباء تواترت عن لقاء بين وفد أمريكي مع مسؤولين إيرانيين، في أعقاب اغتيال هنية، وعدت أمريكا إيران فيه، بأنه في حال عدم الرد على إسرائيل، فإن أمريكا قد ترفع بعض العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. وفي ظني أن إيران ستقرر الخروج من ورطتها، بالاستفادة من ذلك العرض السخي، خاصة وأنها لا ترغب في الرد على إسرائيل، ولكنها في حاجة لتبرير موقفها أمام شعبها.

 

Email: sfarag.media@outlook.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى