المصري اليوم

مثلث التعليم في مصر … تجربة الأقصر (1)

لواء دكتور / سمير فرج

في فترة من الفترات، كنت معجبا برئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد صاحب نظرية أن التنمية البشرية أساسها الصحة والتعليم أي أن تقدم أي دولة عليها أن تركز على صحة شعبها وتعليمه، لأن أي شعب بدون صحة يعني دولة مريضة ودولة غير قادرة على العمل والانتاج وأي شعب بدون تعليم يعني دولة فاشلة وغير قادرة على التقدم ومسايرة الفكر العالمي الجديد.
ومن هذا المنطلق فور وصولي إلى الأقصر ركزت على التعليم والصحة، وأقول أن أول مبلغ مالي وافقت على تخصيصه كان لصالح شراء أورج وطبلة وميكروفونات لصالح مدارس الأقصر التي ليس بها هذه الأدوات، بهدف أن يكون لكل مدرسة في طابور الصباح مراسم تحية العلم وكلمة الصباح وهي أولى الإجراءات التي تحقق انتماء الطلبة الى مصر.
وكان يومي في الأقصر، ويشهد على ذلك جميع أهالي الأقصر الآن أنني أتحرك من استراحتي في السادسة صباحا للمرور على نظافة المدينة كل يوم في قرية مختلفة، وفي السابعة والنصف أدخل مدرسة للمرور عليها، وأحضر طابور الصباح، ثم حضور الفصل الدراسي الأول، وبعدها المرور على إدارات المحافظة الري الزراعة، التعليم إلى آخره وبعدها في العاشرة صباحا. اذهب إلى أحد المستشفيات، وأدخل مكتبي في الثانية عشرة أما الثانية ظهرا فأمر على مشروعات التطوير في المدينة لمتابعتها كان ذلك هو البرنامج اليومي.
ونبدأ بمدارس الأقصر التي كانت في حالة سيئة عندما وصلت هناك مثل مدرسة الأقصر الثانوية بنات بها أربع فصول للطالبات في حوش المدرسة، حيث ان احد المديرين السابقين للمدرسة قام بتحويل أربع فصول إلى غرف للمدرسين؟ هل يتخيل أحد أن طلبة المدرسة من البنات يقضون الفصل في حوش المدرسة، ونتخيل أنه في شهر إبريل تكون درجة الحرارة فوق ٣٥ فما بالك في مايو من ويونيو، كذلك كان هناك مدارس ليس بها دورات مياه لأنها مهدمة وغير صالحة للاستخدام وللأسف كان في الماضي مبدأ يطبق في محافظات مصر وهو إنشاء فصول بالجهود الذاتية من خلال عضو مجلس الشعب أو أحد الأثرياء يقوم بإنشاء ثلاث فصول كل فصل منهم عبارة عن أربع حوائط طوب. احمر بدون شبابيك ولا أبواب خشب، أما السقف هو جريد النخيل. كذلك لم يكن هناك غرف للهوايات أو المسرح، أو للرسم أو للتطريز للفتيات، وتدبير منزلي، فلم يكن شيئا موجودا.

لذلك كان هدفي من اليوم الأول الارتقاء بالتعليم، وكانت فكرتي أن العملية التعليمية، تبني على ثلاث أضلاع الأول هو المدرسة والثاني المدرس الذي يقود العملية التعليمية، والضلع الثالث هو المناهج التعليمية، والمسؤول عنها وزارة التربية والتعليم.
ولقد بدأت بالاتصال بالسيدة سوزان مبارك، حيث أنها كانت قد بدأت مشروع لتطوير ١٠٠ مدرسة في القاهرة وأخرى في الجيزة. وطلبت منها المعونة لتطوير مدارس الأقصر، وبالفعل خصصت لي مبالغ لتطوير المدارس واتصلت يومها بجهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، حيث تم تحويل المبالغ اليه لرفع كفاءة مباني ومدارس الأقصر بالكامل خلال خطة على مدى سنتين تبدأ من الفصول التعليمية وسبورة مضيئة لكل فصل حتى المروحة. ثم بدأنا في عمل أرض طابور لكل مدرسة ومسرح مدرسي صغير، ولك أن تتخيل عزيزي القارئ أن كل مدرسة كان بها مدرس للمسرح، ولكنه لا يعمل، ثم فصول للموسيقى، وتم شراء أدوات موسيقية لكل مدرسة، ثم ملاعب الكرة الطائرة وكرة اليد وتنس الطاولة، وأرض التدريبات، وغرف للحاسبات الآلية لكي تسجل عليها جميع بيانات الطلبة في المدرسة وعيادة مدرسية.
كذلك ثم إنشاء مكتبة لكل مدرسة، وأقول أن ۹۰% من المدارس لم يكن بها مكتبات، ولتغذية المكتبات بالكتب تم الاتصال بوزارة الثقافة التي لديها كتب مترجمة لا تعرف كيف تستفيد منها حيث أرسلت عربيات نقل وخلصت وزارة الثقافة من هذه المشكلة. وتم إمداد المكتبات بمئات الكتب، كما تم تخصيص مبلغ لشراء كتب من معرض الكتاب لكل مدرسة طبقا لاحتياجاتها وتم الاهتمام بمكتب شؤون الطلبة الذي كان يدار بموظفة أو إثنين لديهم مئات الدوسيهات حيث تم تحويل كل هذه البيانات إلى كمبيوترات داخل كل مدرسة.
وكانت المشكلة الأكبر تدريب العاملين في ذلك المكتب ونجحت بصرف امتيازات مالية لهم علاوة على إجراء دورة أربع أسابيع تم تدريبهم على استخدام الحواسب لتسجيل البيانات الطلبة في كل مدارس الأقصر، كما تم عمل غرف للهوايات والتربية المنزلية، والخياطة، وشغل الإبره لمدارس الفتيات، وأصبحت تدخل أي مدرسة بنات في الأقصر تشم رائحة الطعام في كل مكان، أما دورات المياه فقد تم إصلاحها. وأصبحت مثل فنادق الأربع نجوم.
كما ظهرت مشكلة الأمن في مدارس الفتيات بالذات هل من المعقول أن يكون الأمن في هذه المدارس من الرجال واذكر هنا أن الدكتور يوسف بطرس غالي، وزير المالية وفر لي ميزانية لتشغيل الفتيات في أمن مدارس البنات، وأعتقد أنها كانت فكرة إنسانية أخلاقية قبل أي شيء، كذلك ثم إدخال الكمبيوتر (جهاز لابتوب لأول مرة في المدارس الثانوية بفضل مساهمة رجل الأعمال معتز الألفي الذي قدم لنا ألف جهاز لابتوب لمدارس الأقصر، وأتذكر يوم زيارة حرم الرئيس الأسبق لمدرسة اسنا الثانوية بنات، ومنظر الفتيات، وأمام كل ثلاثة منهم لاب توب تدرس عليه الموضوعات، واتذكر يومها كان درس التصحر وللعلم هذه المدرسة كانت في الأساس إسطبل خيل لأحد أمراء الصعيد منذ زمن بعيد، لكنها الآن أصبحت من أجمل مدارس الصعيد.

كما تم الاهتمام بأطفال الحضانة حيث تم توفير ألعاب حديثة صغيرة، وكتب من معرض الكتاب لهم، وتم الاعتناء بشكل ودهانات الفصول لتناسب الأطفال في هذه السن، وأقول قبل أن أنهي الجزء الأول من مقالي، إنني تركت الأقصر بعد أن حولت حوالي ١٥٠ مدرسة إلى مدارس تعادل المدارس الموجودة في القاهرة في التجمع الخامس، والشيخ زايد، ولا أنسى فضل السيدة سوزان مبارك و يوسف بطرس غالي ومعتز الألفي والمهندس محمود صالح، ثم أهالي الأقصر والإدارة التعليمية التي حولت إلى هذه المدارس إلى أماكن يستحقها أبناء الأقصر، ويكفي أن أقول أنه في السنة التالية حصلت الأقصر على المركز الثاني في الثانوية العامة واعتقد أن ذلك كان بسبب تنمية النهضة التعليمية التي تمت في الاقصر وفي مقالي العدد القادم سوف نتحدث عن الضلع الثاني في العملية التعليمية وهو المدرس وهو من أهم الاضلاع في العملية التعليمية في مصر.

915

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى