معالى رئيس الوزراء – الأهرام اليومي
ثم رويت ما أعقب ذلك من توجهي، على الفور، إلى القاهرة للقاء رئيس مجلس الوزراء، الدكتور أحمد نظيف، معبراً عن عظيم استيائي مما رأيت. فكيف لي أن أعمل على تطوير محافظة بأسرها، بينما أبناؤها، ونواة مستقبلها، يعانون الإعياء والهزال، نتيجة لمتلازمة الفقر وسوء التغذية؟ ورويت ما كان منه، إذ اتفق مع وزير المالية، الدكتور يوسف بطرس غالي، على تخصيص اعتمادات مالية، إضافية، للمحافظات لتوفير وجبات مدرسية للطلاب، وهو ما كان يكفي لتوفير «فطيرة العجوة»، لطلاب الحضانة والمرحلة الابتدائية، لمدة 38 يوماً فقط. ثم رويت ما أضفت إليه من موارد، بعد ذلك، عن طريق الجهود الذاتية وبالتنسيق مع رجال الأعمال في الأقصر لضمان استمرار المبادرة، طوال أيام العام الدراسي. وكيف كان لتلك المبادرة من مردود إيجابي، إذ تابعنا التقارير المدرسية، على مستوى المحافظة، وتأكد لنا عدم حدوث حالات غياب منذ أن بدأت، إلا في حالات الضرورة القصوى، غير المرتبطة بإحساس الضعف أو الجوع.
وقد علق الكاتب الكبير، والصحفي القدير، الأستاذ صلاح منتصر في عموده،بجريدة الأهرام، “مجرد رأي”، بتاريخ ٢٨ مارس، على هذا المقال في معرض حديثه عن القرار الذي صدر أخيرا بوقف الوجبة المدرسية، نتيجة لتسمم عدد من الطلاب في مدارس صعيد مصر، مرجعاً إياها إلى أيادٍ شريرة تهدف إلى إحراج الحكومة ووقف مبادرة قومية مهمة.
وهو نفس الموضوع الذي كتب عنه الدكتور زياد الدين مقالاً، يوم 27 مارس، عنوانه “بمناسبة الوجبة المدرسية”، مضيفاً فيه خبرته الشخصية، كمسئول حكومي سابق، عن نوعية الوجبة المدرسية، والعناصر المكونة لها، وأهمية تلك الوجبة المتكاملة في تشكيل مستقبل مصر. مشيراً إلى ضرورة الاستدامة في توفيرها، وتوزيع مسئوليتها على جهات عدة.
معالي رئيس الوزراء لقد شرُفت بالعمل مع سيادتكم، طيلة عام ونصف عام، شغلتم فيه سيادتكم، منصب وزير البترول وأنا على يقين من قدرتكم على دراسة كل الأمور، من مختلف زواياها، وعلى شجاعتكم في اتخاذ القرارات، وعلى صدق رؤيتكم المستقبلية بشأن غدٍ أفضل لمصر. وهو ما أؤكده دائماً في أي حديث لي، سواء تليفزيونيا أو صحفيا، إذ كررت من قبل، أنكم تحملون على عاتقكم المسئولية، في أدق وأخطر المراحل في تاريخ مصر الحديث، حيث يمر اقتصادنا بتغييرات كبيرة، وفقكم الله في إدارتها، وتحمل تبعاتها.
وعندما نتحدث، اليوم، عن موضوع الوجبة الغذائية لطلاب المدارس، فلا ألومن أحدا على قرار إيقاف توزيعها، لحين الوقوف على السبب أو الأسباب وراء حالات التسمم، التي مني بها أبناؤنا، وهو ما يتطلب تحقيقاً موسعاً ودراسة كاملة لجميع جوانب المشكلة، ومن ثم توقيع العقاب والجزاء اللازم، على كل من يثبت تورطه أو تقصيره، وهو ما قد يتخطى، في بعض الأحيان، صغار الموظفين.
وفي هذا الصدد، اسمحوا لي… معالي رئيس الوزراء أن أتقدم لسيادتكم بمقترح بتكليف مركز دعم واتخاذ القرار، التابع لرئاسة مجلس الوزراء، وهو أحد المراكز البحثية الفاعلة في مصر، أن يقوم بإعداد تلك الدراسة المتكاملة، عن موضوع الوجبة الغذائية لطلاب المدارس، وطبيعة ما طرأ عليها من مشكلات، أدت إلى ظهور حالات التسمم الأخيرة، مستعيناً في ذلك بخبراء الوزارات المعنية مثل الصحة، والزراعة، والتربية والتعليم، والتنمية المحلية، وغيرها.
وعلى الصعيد المستقبلي، اسمحوا لي بأن أضيف للمقترح السابق، جزءاً آخر وهو قيام جهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، بإنشاء مصنعين لتصنيع “فطيرة العجوة”، كوجبة جافة يتم توزيعها على طلاب المدارس، وهي الوجبة التي أقرت منظمة اليونسكو،باحتوائها على جميع العناصر الغذائية التي يحتاجها الطفل في مراحل نموه وتكوينه، ويضاهيها فطيرة الزعتر بزيت الزيتون، المعروفة في بلاد الشام. علماً بأن جميع مدخلات الإنتاج الخاصة بفطيرة العجوة متوافرة في مصر، خاصة في سيناء، وفي مدن الصحراء الغربية…فصحة أطفالنا، ومستقبلهم، ليس مسئولية وزارة بعينها، وإنما هى مسئولية جماعية للحكومة، والقطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني.
معالي رئيس الوزراء، هذان المصنعان اللذان أقترح تأسيسهما، ما هما إلا نواة، لما يجب أن تتبناه الدولة، بقطاعيها العام والخاص، كمشروع قومي، ليس من شأنه، فقط، توفير تلك الوجبة، لأطفال مصر، الذين يمثلون مستقبلها، ويتحدد على قدراتهم طبيعة وشكل هذا المستقبل، وإنما يضاف إلى ذلك ما ستوفره تلك المصانع من فرص عمل سواء فيها أو في الصناعات المكملة لها، مع حسن استخدام الموارد المحلية، التي تجود بها أرضنا الطيبة.
معالي رئيس الوزراء، أرجو ألا تطول فترة توقف الوجبة الغذائية لطلاب المدارس، خاصة في صعيد مصر، وأرجو عند استئنافها، ألا تكون موسمية، وفقاً لما تسمح به الموازنة، أتمنى أن تتبنى الحكومة، تلك الوجبة، كمشروع قومي لها تدعو إليه شركاءها المحليين والدوليين، إيماناً منها بما لتلك الوجبة من رسم الخطوط العريضة لمستقبل مصر وأجيالها القادمة ومثلما ذكرت من قبل، أكررها اليوم، البطون الخاوية لا تستقبل العلم.