كيف تصنع نجما؟
نسمات صباح أحد أيام شهر مارس تتسلل إلى مكتبي، وأنا رئيسا لدار الأوبرا المصرية لتؤكد لى على روعة الطقس فى مصر خاصة فى مثل تلك الأيام من كل عام. وفجأة ينطلق رنين الهاتف لأسمع صوت الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة آنذاك يبلغنى بأن السيد رئيس الجمهورية كان فى زيارة لمبنى ماسبيرو فى اليوم السابق، وهناك استمع إلى موهبة جديدة، عمرها خمسة عشر عاماً ووجه بضرورة رعايتها من خلال دار الأوبرا. وطلب منى الوزير فاروق حسنى الاتصال بالإذاعة المصرية للتنسيق بشأن ضم هذه الموهبة لدار الأوبرا المصرية مقدماً لى بعض النصائح حول أسلوب الرعاية.
وضعت سماعة الهاتف، وبدأت أفكر فى كيفية التعامل الأمثل مع هذا الموضوع مؤمناً بضرورة اتباع منهجا علميا فيه وهو ما اتخذته أسلوباً لحياتي، سواء العملية أو الشخصية. فبدأت أولى خطواتى بالاتصال برئيس الجامعة الأمريكية فى القاهرة، مستأذناً فى زيارة فورية لمكتبة الجامعة الأمريكية وما هى إلا دقائق عبرت فيها سيارتى كوبرى قصر النيل من دار الأوبرا إلى مبنى الجامعة فى الجهة المقابلة حتى كنت داخل المكتبة العملاقة فى ميدان التحرير.
استقبلتنى السيدة مارجريت بترحاب ومازالت أذكر اسمها بعد مرور نحو خمسة عشر عاماً سيدة أمريكية فى العقد الخامس من عمرها، ذات شعر كستنائي، وترتدى نظارة مستديرة ثم سألتنى عن نوعية الكتب أو المراجع التى أبحث عنها، فأجبتها برغبتى فى الإطلاع على ما يتعلق برعاية المواهب. وليكون بحثها أكثر تحديداً فقد سألتنى عما إذا كانت هذه المواهب موجودة بالفعل أم أننى أبحث عن كيفية إيجاد مواهب جديدة فشرحت لها أن الموهبة موجودة بالفعل والمطلوب رعايتها وتنميتها، والحفاظ عليها حتى تصير نجماً.
صمتت قليلاً قبل أن تدعونى إلى مكتبها حيث جلست أمام جهاز الكمبيوتر الخاص بها وأدخلت عليه بعض الكلمات الاسترشادية لتظهر عليه نتائج البحث تشير إلى أسماء الكتب والمراجع الموجودة داخل المكتبة بالإضافة إلى موقعها تحديداً على رفوفها العديدة. ثم ذهبت والتقطت أحد هذه الكتب، وعادت إلى به فأمسكت به أتصفحه للتأكد من أنه يفى بغرضى كان عنوانه «How to Make a Star?» أو «كيف تصنع نجماً؟» لكاتب ألماني، وقد تُرجم للإنجليزية يحتوى على مقدمة وخمسة فصول.
بدأت فى قراءة المقدمة للتعرف على محتوى الكتاب فوجدتها تحكى عن إفاقة ألمانيا فى الساعة الخامسة من مساء أحد أيام شهر يوليو من عام 1985 على خبر تتناوله جميع وسائل الإعلام العالمية، يخص أحد أبناءها، ويدعى «بوريس بيكر» الذى فاز ببطولة ويمبلدون العالمية للتنس، ويتسلم، الآن جائزته من مندوب جلالة ملكة بريطانيا بعدما فاز على منافسه كيفن كيورن ليصبح بذلك أصغر بطل يحمل لقب هذه البطولة إذا كان عمره حينئذ، سبعة عشر عاماً. وقد كان لفوز بيكر فى هذه البطولة الفضل فى تغيير صورة اللعبة الرياضية فى ألمانيا إذ بدأت فى استقطاب العديد من المتابعين والمشجعين بعدما كانت قاصرة على أبناء الطبقة الثرية هناك.
ذكر الكاتب فى مقدمة كتابه أنه فى تمام الساعة السابعة من مساء ذلك اليوم أى بعد ساعتين من إذاعة خبر فوز بوريس بيكر باللقب العالمى انعقد مجلس الوزراء الألمانى ليناقش هذا الحدث حيث كانت هذه هى المرة الأولى التى يفوز فيها لاعب ألمانى بهذا اللقب لواحدة من أهم، وأقدم بطولات التنس العالمية، وأكثرها شهرة فى تاريخ اللعبة البيضاء. وخرج مجلس الوزراء بقرار بتشكيل لجنة وطنية لرعاية هذا اللاعب الصغير تكون مهمتها، الوحيدة هى العمل على تنمية موهبته الرياضية، وضمان تألقه. على أن تبدأ هذه اللجنة عملها فوراً اعتباراً من صباح اليوم التالى بالوجود فى مقر إقامة اللاعب فى العاصمة البريطانية لندن. تشكلت اللجنة من خمسة أعضاء هم طبيب نفسى لضمان اتزانه النفسي، ومسئول إعلامى لتدريبه على التعامل مع مختلف وسائل الإعلام، وكذا وضع خطة تسويق اللاعب إعلامياً ومسئول آخر مهمته الحفاظ على مظهر اللاعب وأناقته، وآخر لتعليمه قواعد الأتيكيت والبروتوكول وأخيراً وليس آخراً مدرب تنس محترف يعمل على صقل مهارات اللاعب.
وبالفعل فى صباح اليوم التالي، وبينما بوريس بيكر أو كما أطلق عليه فيما بعد زبوم بومس أو «بارون الإرسال» أو «الصبى الذهبي» يتناول إفطاره فى لندن محاطاً بالمعجبين والمعجبات وصل أعضاء اللجنة الوطنية الألمانية ليعرفوه بأنفسهم، وتبدأ مهمتهم منذ تلك اللحظة.
أما الفصول الخمسة من الكتاب فتناولت التجربة التى مر بها كل عضو من أعضاء اللجنة فى المهمة الموكلة إليه مع هذه الموهبة الشابة كان أكثر ما جذبنى فيها تلك التجربة الخاصة بالطبيب النفسي، التى روى فيها صعوبة مهمته من ضبط السلوك والاتزان الانفعالى لمراهق فى سن السابعة عشر وجد نفسه بين عشية وضحاها محاطاً بالمعجبين والمعجبات من كل أنحاء العالم، واسمه وصورته يتصدران جميع وسائل الإعلام العالمية فضلاً عن اهتمام ملوك ورؤساء العديد من دول العالم به، ولقاءاته معهم. وقد وثق هذا الطبيب النفسى تجربته فى بحث علمى ونال عنه جائزة كبرى فى أحد المؤتمرات العلمية.
أنهيت قراءة الكتاب فى يوم واحد عازماً على تطبيق هذه التجربة العلمية مع موهبتنا ذات الخمسة عشر عاماً إلا أن القصة لم تكتمل للأسف إذ تناولت هذه الموهبة أياد عدة أضاعت عليها فرصة تقاسم عرش الأغنية المصرية والعربية مع العديد من الأصوات الراقية والمتميزة الموجودة حالياً على الساحة ودون الخوض فى التفاصيل تبقى النتيجة واحدة. وهى عدم استفادة مصر من هذه الموهبة الشابة، كما ينبغى وفى نفس الوقت لم تحصل هذه الموهبة على ما يليق بصوتها من مكانة كانت هذه نبذة عن محاولة دار الأوبرا المصرية لتبنى موهبة الفنانة المتألقة ذات الصوت الرائ آمال ماهر!