حفيدتى الصغيرة … ليلى
اعتدت على المشاركة فى احتفالات انتصار أكتوبر 73، من كل عام، سواء كنت داعياً لها أو مدعواً إليها… واخترت أن تكون مشاركتى خلال العامين الحالي، والماضي، من خلال المحاضرة فى عدد من الجامعات المصرية، حكومية كانت أو خاصة، بهدف تعريف الأجيال الجديدة بتفاصيل بطولات الأجداد والآباء، خاصة بعدما لاحظته، فى مناسبات عدة، من غياب الوعى بتلك الأمجاد، وما لمسته من بعض الفتور فى المشاعر تجاهها، بينما هى مصدر الفخر، والعزة، والكرامة.
أذكر واحداً من لقاءات العام الماضي، فى إحدى الجامعات الخاصة، والذى زاملتنى فيها، الرائعة، الدكتورة لميس جابر … وبعد أن انتهى كل منا من الجزء الخاص به فى اللقاء، حان موعد تلقى الأسئلة من الطلبة والطالبات، للإجابة عنها … فهمست للدكتورة لميس مؤكداً لها أن أول سؤال سنتلقاه هو … «مصر رايحة فين؟!» … ولم أكد انتهى من همساتي، حتى جاءنا السؤال، نصاً، على لسان إحدى الطالبات… فأشارت لى الدكتورة لميس جابر، مبتسمة، لأتولى الرد على السؤال. ومرة أخري، يتكرر الموقف، خلال هذا العام، فى أثناء لقائنا طلبة جامعة قناة السويس، فى مدينة الإسماعيلية. لم يكن توقعي، إلا بناء على خبرة اكتسبتها من لقاءاتى المتعددة فى الجامعات المصرية … فقد كان هو السؤال الأول، دائماً، فى جميع اللقاءات والندوات الثقافية التى شاركت بها، أخيرا، سواء على لسان الشباب، أو حتى على لسان من هم أكبر منهم سناً … وهو ما أقره حقاً أصيلاً لجميع أبناء الوطن، فى أن يطلعوا على سلامة وجهة بلادهم، ويطمئنوا على مستقبلها، ومستقبلهم فيها … خاصة فئة الشباب، الذين ازداد قلقهم عن وجود وظائف لهم بعد التخرج.
كنت قد قضيت، إجازة عيد الأضحى المبارك، فى أواخر الصيف المنصرم، فى الساحل الشمالي، مع أسرتى … وكواحد من أبناء المدن الساحلية، بورسعيد، فإن قضاء الإجازة على الشواطئ، يستدعى أجمل ذكريات الطفولة، عندما كنا نبكر إلى الشاطئ، لنبدأ يومنا عليه بمساعدة الصيادين فى سحب شباكهم من المياه، بعدما جاد الله عليهم من فضله. بينما يتوافد، فى تلك الأثناء، باقى أفراد الأسرة والعائلة، لنجتمع حول وجبة الإفطار على الشاطئ، قبل أن نكمل يومنا ما بين السباحة، والمسابقات، واللعب على الرمال، وتناول بعض الحلوى والفاكهة، حتى يحين موعد الغروب، فنعود إلى منازلنا للعشاء، والنوم مبكراً، استعداداً للاستمتاع بيوم غدٍ جديدٍ على الشاطئ.
تماماً … عكس ما أراه اليوم من أبناء الأجيال الجديدة، الذين لا يستيقظون قبل أن ينتصف النهار، بسبب امتداد سهرهم فى الليلة السابقة، ولا يتجهون إلى الشاطئ قبل الثانية ظهراً، ليمكثوا عليه سويعات قليلة، قبل مغادرته، استعداًدا للسهر، مرة أخري، ليلاً. فلم أجد من أفراد أسرتي، سوى صغار السن من الأحفاد، ليشاركونى عادتى فى الذهاب إلى الشاطئ مبكراً، بعد إغرائهم، بالطبع، بشراء بعض الحلوى والمثلجات فى طريقنا إلى الشاطئ، والذى قد يمتد فى بعض الأحيان لشراء بعض من مستلزمات البحر من الملابس، والنظارات، والألعاب.
ووصلنا، أنا وأحفادى الأربعة الصغار، إلى الشاطئ … وامتلكناه، دون غيرنا، مع نسمات الصباح الجميلة، حيث الرمال البيضاء الناعمة، التى لم تلهبها الشمس بأشعتها بعد، والمياه الفيروزية النقية، التى لا تجد لها مثيلاً حول العالم … فجلست بين أحفادى الصغار أعلمهم من ذكريات الطفولة، على شاطئ بورسعيد الجميلة، كيف كنا نبنى تمثال ديليسبس، عن طريق حفر حفرة عميقة فى الرمال، نغمرها بالمياه، ثم نخرج الرمال من بين المياه، ونسقطها نقطة تلو الأخري، حتى يتكون لنا التمثال، الذى كنا نتباري، فى الماضي، على شاطئ بورسعيد، فيمن يكون له أكبر وأطول تمثال.
كانت مهمة أصغر أحفادى … ليلى … ذات الأعوام الثلاثة، أن تملأ دلوها الصغير من مياه البحر، وتسكبها فى الحفرة … وفى كل مرة تسكب ما فيه، كنت أطلب منها المزيد، فتجري، والسعادة والفرحة يغمرانها، لتملأ دلواً جديداً … وفى انطلاقها نحو البحر، لم يخل الأمر من هدم بعض التماثيل والقلاع التى بناها أخواتها … فتعلو صيحاتهم، وتعلو معها ضحكاتها البريئة. نقلت ذكريات الجد للأحفاد، فأجادوا بناء التماثيل … فانسحبت قليلاً إلى الوراء، وظللت أراقبهم، مستمتعاً بسعادتهم … وفجأة وجدتنى أسأل نفسى عن مستقبل ليلى … وإلى متى تستمر سعادتها … لقد تداعى إلى ذهنى نفس السؤال … «مصر رايحة على فين؟!» … ذلك السؤال الذى يبادرنى به طلبة الجامعات المصرية، وغيرهم، فى كل مناسبة تجمعنى بهم.
وجدتنى أحاور نفسى … هل ستجد ليلي، وأخواتها، الرعاية الصحية المطلوبة فى المستقبل؟ وهل ستحظى ليلى بمستوى متطور من التعليم؟ وهل سيؤهلها ذلك للحصول على وظيفة مناسبة؟ وهل … وهل … وهل؟ كل تلك الأسئلة التى سمعتها من طلبة الجامعة، وجدتنى أنظر إلى ليلي، وأكررها لنفسي، وأعيدها على مسامعي. لقد كنت، دوماً، مدركاً، ومقدراً، لقلق الشباب على مستقبلهم … إلا أن ما أراه حولي، يومياً، من مشروعات قومية، يجعلنى على يقين من أن مصر تسير على الطريق الصحيح نحو مستقبل أفضل من أجل حفيدتى ليلي، وجميع أبناء مصر … أرى مشروعات عملاقة من شأنها ضمان مستقبل زاهر لهم … مثل اكتشافات البترول الجديدة التى ستغطى احتياجات مصر من الغاز الطبيعي، وستسمح بالتصدير إلى أوروبا، اعتباراً من العام المقبل … ومنها، أخيرا، مشروع «بركة الغليون»، الذى افتتحه الرئيس، منذ أيام قليلة، فى محافظة كفر الشيخ، كأكبر مشروع متكامل للاستزراع السمكى فى الشرق الأوسط.
فدعوت الله أن يوفق مصر، وأن يوفق رئيسها وولاة أمرها، فى بناء مستقبل واعد لها، كله خير ورخاء واستقرار … وأن يبعد عن بلادنا كل سوء وشر … ليس من أجلى أنا … وإنما من أجل حفيدتى ليلى … لتدوم ضحكتها البريئة، وسعادتها، خلال شبابها!.