عندما اغتالوا أحلامى فى بورسعيد!
انطلقت بنا السيارة من القاهرة إلى بورسعيد، يستقلها أعضاء الحملة الشعبية «أنت الأمل»، لتأييد ترشح السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، لفترة رئاسية ثانية. وعلى مشارف بورسعيد، وتحديداً عند رأس العش، فتحت نافذة سيارتي، لأملأ صدرى بهواء مدينتى الحبيبة … إنها عادة تربيت عليها منذ عشرات السنين، عند العودة إلى بورسعيد فى إجازة نهاية الأسبوع، فكنا نستنشق هواءها، الذى نعتبره أجمل رائحة فى الوجود، بينما يردد جميع ركاب الأتوبيس دعاءهم التقليدى «يجعلك عمار يا بورسعيد» … وبالرغم من أننى كنت وحدى بالسيارة إلا أننى رددت دعائى لها من قلبي، «يجعلك عمار يا بورسعيد».
دخلت إلى المدينة، التى صار زحامها كثيفاً، ووصلت لأحد الفنادق المطلة على البحر، ووقفت أمام النافذة لأرى أجمل المناظر، التى لا يتسنى لأحد رؤيتها إلا فى بورسعيد الحبيبة … وقفت لأرى المثلث الذى يفصل بين قارتى إفريقيا وآسيا، أمام شواطئ بورسعيد … إلا أن المنظر المقابل على الشاطئ صدمنى بشدة!!! لقد تحول الشاطئ الجميل الذى قضينا عليه أجمل أيام حياتنا إلى نادٍ كبير، بعد أن استحوذ على شواطئ جميع الفنادق والقرى السياحية الموجودة فى تلك المنطقة.
أغمضت عينى قليلاً لأتذكر ما كان فى تلك المنطقة … تذكرت الكبائن الخشبية الجميلة للمصطافين، والرمال المفتوحة، التى كانت ملعباً لكرة المضرب، وكرة القدم، لأطفال بورسعيد، ولزائريها، والتى كانت تتحول ليلاً إلى سهرات السمسمية، التى يتجمع حولها جميع أهالى بورسعيد وزوارها من المصطافين فى الصيف، وكان حرم الشاطئ هو شارع الكورنيش، لكن المنظر الآن مخيف!
والله حرام!!! أين التخطيط؟؟ أين الفكر؟؟ لا مانع من تنفيذ كل تلك الإنشاءات، ولكن كان من الممكن تنفيذها على امتداد نفس الشاطئ، فى منطقة الجميل، فى اتجاه دمياط، لو تم تنفيذها فى ذلك الاتجاه، لكانت فائدتها عظمي، من حيث تعمير المدينة، وزيادة الاستثمارات فى اتجاهات جديدة، بما لها من آثار تنموية كبيرة. أما بناء كل هذه الغابات الأسمنتية على الشاطئ، فهو مخالف لأى تخطيط سليم … لقد اختفى الشاطئ تماماً، اللهم إلا من صفين من الشماسي.
وفى اتجاه مبنى المحافظة، اعتدنا أن نرى الكبائن الصغيرة، وقد اصطفت، فى منظر حضاري، على الشاطئ، وكانت الكابينة رقم (1)، مقراً صيفياً، لعدة أعوام، للرئيس الراحل محمد أنور السادات، إبان رئاسته لمجلس الشعب. أما اليوم، فقد أزيلت تماماً، وحلت محلها البنايات الأسمنتية، وأصبح شاطئ بورسعيد عبارة عن محال متراصة لبيع الملابس.
ووصلت إلى مسرح بورسعيد، الذى يعد مسرحاً ثقافياً رائعاً، تستحقه مدينة بورسعيد. وللعلم بورسعيد فى الستينيات كان بها أكبر عدد دور سينما فى جمهورية مصر العربية، حتى أكثر من القاهرة … ولم يتبق منها إلا هذا المسرح، بعدما تم هدم الباقى منها، وتحويلها إلى مبان ومحال لبيع بضائع المنطقة الحرة.
امتلأ المسرح على آخره بشعب بورسعيد، للاحتفاء بالوزيرين أسامة هيكل، ومحمد العرابي، والترحيب بضيوفهما، والرائعة الدكتورة لميس جابر، والفنان أحمد بدير، الذين تحدثوا جميعاً عن ضرورة المشاركة فى الانتخابات، وأهمية المحافظة على الحقوق الدستورية. ووقفت إحدى سيدات المدينة، لتؤكد وطنية شعب بورسعيد، الذى تجرى البطولات فى عروقه، مجرى الدم. وحانت الفقرة الفنية لفرقة الموسيقى العربية بدار الأوبرا، والتى تفاعل معها أهالى بورسعيد بحماس، وعلا هتافهم باسم مصر، خاصة وأن المخرجة جيهان مرسي، قد أعطتهم جرعة فنية من أغانى الستينيات الوطنية.
انتهى اللقاء الجماهيري، وتوجهت للقاء أصدقاء الطفولة، من بورسعيد الثانوية، أسامة المغربل، ومحمد فايد، ومؤرخ بورسعيد ضياء، الذى أهدانى كنزا عظيما من الصور الفوتوغرافية لوالدتي، أثناء المقاومة الشعبية فى حرب 1956. وعدت من بورسعيد فى صباح اليوم التالي، رغم إلحاح أصدقاء العمر على تناول وجبة سمك، على الطريقة البورسعيدية. وبالرغم من فرحتى باللقاء الجماهيرى الذى انعقد فى بورسعيد، إلا أننى تركتها والحزن يعتصرني، بعدما شعرت بأنهم اغتالوا أحلامى فى مدينة بورسعيد!
وفى طريق عودتى إلى القاهرة، تذكرت لقائى مع الوزير النشيط، أبو بكر الجندي، الذى يحمل حقيبة وزارة التنمية المحلية، الذى تحدثنا فيه، لساعات طويلة، حول تطوير التنمية المحلية فى محافظات مصر، واتفقت آراؤنا حول ضرورة أن يكون لكل محافظة «خطة تنمية شاملة» Development Master Plan، للخمس وعشرين سنة المقبلة، والتى أعتبرها سبب نجاحى فى محافظة الأقصر … وهى مبادئ ما تعلمته عند دراستى فى دبلومة إدارة الاعمال فى الولايات المتحدة الأمريكية. وقد نقلت للوزير تجربتى مع البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة فى مصر (UNDP)، الذى قام بعمل دراسات تنمية شاملة لمحافظات مصر، وظلت حبيسة أدراج المسئولين، بالرغم من أنها كانت نقطة البداية لى فى الأقصر، والتى أسست عليها خطة التنمية الشاملة للمحافظة، ونفذت الكثير منها بالفعل. أتمنى من اللواء أبو بكر الجندى أن يتم فى عهده تصميم خطة تنمية شاملة لكل محافظة، مثلما فعلت مصر عندما وضعت خطة 2030، لتكون المسار العلمى الذى تسير عليه الدولة المصرية لتطوير الأداء، والوصول إلى الأهداف، بنهاية الخطة.