الأهراممقالات صحفيةموضوعات عامـــة

هل من الممكن أن نستفيد من التجربة الألمانية؟

فى عام 2012 أنهت ألمانيا تعدادها السكاني، الذى يتم هناك كل عشر سنوات، مثلما يحدث فى معظم دول العالم. هذا التعداد الذى تم الانتهاء منه فى مصر، فى العام الماضي، ويتكلف عدة ملايين من الجنيهات، والحقيقة أنه قد تم تنفيذه فى مصر، بمنهج حديث، وأسلوب علمي، بقيادة اللواء أبو بكر الجندي. وليس الهدف من إجراء التعداد السكاني، هو إحصاء أعداد السكان، ومقارنتها بسابقتها، للتعرف على معدل النمو السكاني، فحسب، وإنما لتخرج منه الدول بنتائج مهمة، ومؤشرات دقيقة، تستفيد منها فى خططها واستراتيجياتها المستقبلية.

وبتحليل بيانات التعداد السكانى فى ألمانيا، خرج المحللون والباحثون بنتيجة صادمة لهم!! إذ وجدوا أن عدد الأتراك الوافدين إلى ألمانيا قد وصل إلى 3 ملايين تركي، من المسلمين بالطبع، وبحساب معدلات الإنجاب لديهم، مقارنة بالشعب الألماني، توصلوا إلى أنه بحلول عام 2050 ستتكون التركيبة السكانية للدولة الألمانية من 60% من الأتراك، و40% من الألمان، نظراً لأن متوسط معدلات إنجاب الأتراك تصل إلى 4 أطفال للأسرة، بينما تتراوح بين طفل أو اثنين للأسر الألمانية.

ونعود لأصل القصة أن الشعب الألماني، منذ أيام هتلر، يعتبر نفسه خير أجناس الأرض، فالفرد الألمانى لا يعمل فى الوظائف الدونية، لذلك لا تجد فى ألمانيا شبابا ألمانيا يكنس الطرق، أو ينظف الحمامات، وهو ما يسمى Dirty work، ولذلك تعمل ألمانيا على استقدام من يقوم بهذه الأعمال من دول أخرى، ونظرا للعلاقة الحميمة بين ألمانيا وتركيا، منذ تحالفهما الشهير فى الحرب العالمية الأولى، ولأنه فى حقيقة الأمر أن الشعب التركى يتميز بالانضباط، فقد بدأت ألمانيا فى استقدام شباب من تركيا للعمل فى هذه الوظائف، بل منحتهم الجنسية الألمانية، حتى وصلت أعدادهم إلى 3 ملايين تركي، منهم 2 مليون تركى كردي، هاربون من ظلم الدولة التركية. ويحضرنى هنا ذكريات عملى ملحقاً عسكرياً فى تركيا، عندما كنت أترجل، كل صباح، إلى مكتبى بمبنى السفارة المصرية فى أنقرة، الملاصق للسفارة الألمانية هناك، وذلك نتيجة لتزاحم الأتراك حول سفارة ألمانيا للحصول على تأشيرات العمل هناك، مما كان يعوق حركة مرور السيارات بالكامل.

المهم أن نتائج ذلك التعداد كانت مخيفة، فى إشارتها لأنه فى عام 2050، ستصبح ألمانيا دولة ذات هوية تركية؛ فعلى سبيل المثال سيصبح أغلبية أعضاء البرلمان من أصول تركية، وسيتقلد المناصب المهمة الجيل الجديد الألمانى ذو الأصول التركية … بمعنى أبسط، ستطمس الهوية الألمانية. واتخذت اللجنة المشكلة لدراسة نتائج التعداد، قراراً بإيقاف استقدام أى تركى إلى ألمانيا، مع ضرورة إيجاد البدائل، وتم رفض أبناء شمال إفريقيا من المغرب وتونس والجزائر، لطبيعة هذه الشعوب ولاتصالاتهم بفرنسا، كما تم رفض باقى سكان الشرق الأوسط وباكستان والهند لاعتبارات شخصية، وكانت مصر إحدى الدول المرشحة لاستقدام مصريين منها للعمل هناك بشرط اجتيازهم عددا كبيرا من الاختبارات التى تحددها الحكومة الألمانية.

وفجأة قدمت العناية الإلهية هدية العمر للألمان، عندما حدث ما يسمى بالربيع العربي، وبدأت هجرة السوريين الى أوروبا، ووجد الألمان غايتهم فى اللاجئين السوريين. فالحقيقة أن طبيعة الشعب السوري، تتناسب مع الألمان، لأن الشعب السورى دؤوب، ويحب العمل، ويتقنه، وهادئ الطباع ويتمتع بالنظافة، ورقى السلوك. وقررت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قبول مليون لاجئ سورى فى ألمانيا، وتم توزيعهم، على الفور، فى المقاطعات، وتم تدريس اللغة الألمانية لهم، وتم توظيفهم فى وظائف بسيطة، تتيح لهم الاندماج فى المجتمع الألمانى بصورة تدريجية. وتقبل الألمان المهاجرين السوريين بصدر رحب، وحلت محلات الشاورما الشامية، فى معظم البلدان الألمانية، محل الدوينر وهى الشاورما التركية، بل إن المستشارة ميركل ذهبت فى عطلات نهاية الأسبوع لتناول العشاء مع أسرتها فى هذه المطاعم السورية، والتقطت لها الصور فى أثناء تناولها للشاورما السورية.

وهنا علت بعض الأصوات المغرضة، تهلل بأن أوروبا قد فتحت أبوابها أمام اللاجئين المسلمين، بينما رفضتهم العديد من الدول العربية. والحقيقة، بالطبع، غير ذلك تماماً، فألمانيا لم تفتح لهم أبوابها، إلا لما فى ذلك من مصلحة شخصية لها ولرؤيتها المستقبلية. وبعد عام واحد من استضافة مليون لاجئ سوري، أعادت ألمانيا 100 ألف منهم، لما رأته من عدم قدرتهم على الانخراط فى الحياة الألمانية، فأعادتهم إلى معسكرات اللاجئين السوريين فى تركيا، والتى تنفق عليهم دول أوروبا فى تركيا، حتى لا يتم دخولهم للأراضى الأوروبية. وبدأت ألمانيا فى تغيير التركيبة السكانية، بإحلال السوريين محل الأتراك، حتى لا تصبح ألمانيا، فى المستقبل، دولة ألمانية من أصل تركي.

هذه القصة تقودنا إلى سؤال، هل تمت الاستفادة من نتائج التعداد السكاني، الذى نفذته مصر العام السابق، بصورة علمية متميزة. أعتقد أنه يجب على الدكتورة وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، التوجيه، على الفور، بدراسة نتائج هذا التعداد ليكون أساس التخطيط المستقبلى لمصر خلال السنوات العشر القادمة، وإلا سيكون التخطيط المصرى مستقبلاً تخطيطاً عشوائياً، لأنه لدينا مجموعة من الأرقام والبيانات تحقق لنا تخطيطاً علمياً لمصر فى العشر سنوات المقبلة ولنا حديث قادم حول هذا الموضوع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى