من واشنطن العاصمة
ما إن لمست عجلات الطائرة المهبط بمطار دالاس فى العاصمة الأمريكية واشنطن، منذ يومين، حتى تداعت، على الفور ذكريات آخر زياراتى إلى واشنطن منذ أشهر قليلة، وتحديداً فى النصف الثانى من شهر مارس الماضى عندما هبطت طائرتى آنذاك وأغٌلقت بعدها بلحظات قليلة جميع المطارات والموانى الأمريكية على ساحلها الشرقى بسبب العاصفة الثلجية التى عتت ذلك الجزء من الولايات المتحدة لتعطل الحياة فيه لأيام متتالية بعدما ارتفع منسوب الجليد، وبات من شبه المستحيل التنقل داخل المدن إلا فى أضيق الحدود.
وبالرغم من هذا الصقيع الذى ضرب الولايات المتحدة حينئذ بالرغم من بداية فصل الربيع، فإنه تزامن مع بدء الدفء فى العلاقات المصرية ـ الأمريكية التى شهدت الكثير من الفتور لسنوات عديدة قبل وصول الرئيس ترامب إلى السلطة، بدأ التحسن فى العلاقات الثنائية، حتى قبل وصوله إلى السلطة عندما التقاه الرئيس السيسى فى نيويورك فى أثناء حملته الانتخابية، وظهر التوافق بينهما، وهو ما عبر عنه الرئيس ترامب عقب اللقاء، بأن «الكيمياء بينه وبين الرئيس المصرى متسقة» وحدثت الانفراجة الكبرى بعد أسابيع قليلة من فوز الرئيس ترامب فى الانتخابات الأمريكية، بتصديقه على عودة المعونة العسكرية إلى مصر، والتى كان الرئيس السابق باراك أوباما قد جمدها خلال السنوات الثلاث الأخيرة لحكمه. اليوم وصلت إلى واشنطن فى حلتها الصيفية المزينة بألوان زاهية من الأشجار والزهور، والعائلات تملأ الحدائق والمتنزهات الكثيرة فى طريقى من المطار إلى مقر إقامتى تبدل حال الجو منذ آخر زياراتى لواشنطن، وتبدل حال العلاقات الثنائية معها فى نفس الاتجاه، نحو المزيد من الدفء.
فور وصولى بدأت الاتصالات مع عدد من أعضاء الكونجرس الذين تعودت على لقائهم فى السابق. أعلم مسبقاً بعضهم خارج البلاد لقضاء عطلة الصيف، كما هو الحال فى كل دول العالم، ولكن البعض الآخر مازال فى واشنطن خلال تواصلى معهم، سمعت نفس التعليق بمرادفات مختلفة أجمعوا على أن العلاقات المصرية الأمريكية حالياً فى أزهى عصورها، منهم من قال «لابد أنك سعيد برؤية الانفراجات المتتالية فى العلاقات الثنائيةس وآخر يقول زإن العلاقات الثنائية الحالية تماثل فى جودتها العلاقات فى فترة حكم الرئيسين السادات وكارتر، عندما وقعت مصر على معاهدة السلام فى كامب ديفيد» بينما يعلق عضو آخر بأن «زيارة الرئيس ترامب للشرق الأوسط، كانت أكثر من ناجحة، وفقاً للتقييمات الأمريكية خاصة زيارته للمملكة العربية السعودية، والتى أسفرت عن صفقات عسكرية وتجارية تصل إلى 450 مليار دولار، ويُنتظر أن تصل إلى 900 مليار دولار بنهاية العام». ويضيف عضو رابع قائلاً «ان مصر عادت إلى مكانتها الطبيعية بالنسبة للولايات المتحدة، بعد سنوات الجفاء الماضية، باعتبارها محور ارتكاز مهم للرئيس الأمريكى فى توجهاته وسياسته فى المنطقة».
أما مقابلتى مع السيد ريتشارد أرميتاج نائب وزير الخارجية فى إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش (الابن)، ومساعد وزير الدفاع فى عهد الرئيس رونالد ريجان، الذى يعتبر حالياً واحداً من أهم الشخصيات فى الإدارة الأمريكية نظراً لعضويته ضمن خمسة أعضاء فى المجلس الأمريكى الأعلى لسياسات الدفاع المسئول عن وضع تصور لسياسات أمريكا فى الدفاع عن أراضيها وعن مصالحها الخارجية، لعرضه على البنتاجون لدراسته وتبنيه. هذا الرجل يعرف قيمة مصر، وقدرها فى المنطقة، ويعى جيداً أهمية الحفاظ على علاقة التحالف القائمة بينها وبين بلاده مما دفعه لمعارضة سياسة الرئيس السابق أوباما. أما اليوم فالسيد أرميتاج سعيد بتوجه الرئيس ترامب مجدداً نحو مصر، مؤكداً وجود نظرة أمريكية جديدة للتعاون العسكرى معها، خاصة فى ظل قرار الرئيس ترامب بزيادة ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية، لتطوير قواتها المسلحة بعد سنوات من توقف التطوير خاصة فى مجال إنتاج أسلحة جديدة. وأثناء اللقاء أكد لى ما سبق أن ذكره فى لقاءاتنا السابقة من أن تركيا تكن العداء لمصر محاولة بشتى الطرق إحداث وقيعة بينها وبين أمريكا إلا أنه أكد فقدانها لمكانتها فى المنطقة من وجهة نظر السياسة الأمريكية. أما باقى لقاءاتى مع أعضاء الكونجرس، سواء الجمهوريون الذين ينتمى إليهم الرئيس ترامب أو الديمقراطيون فقد أظهروا سعادتهم بنتائج زيارة الرئيس ترامب إلى الشرق الأوسط من ضخ أموال إلى الخزانة الأمريكية من شأنها توفير المزيد من فرص العمل، وإتاحة الفرصة لتطوير الأسلحة الأمريكية. وهو ما أدى إلى توقف الحملات الإعلامية الشرسة التى صاحبت توليه السلطة حول التدخل الروسى فى نتائج الانتخابات الأمريكية، أو عن علاقة مستشاره السابق للأمن القومى مايكل فلين، بالإدارة الروسية. فلمست بالتالى تغيراً كبيراً فى اتجاه الشعب الأمريكى نحو الرئيس ترامب وسياسته الخارجية والداخلية.
من ناحية أخري، بدأ الحديث فى واشنطن عن زيارة الرئيس ترامب للقاهرة باعتبارها إحدى أهم محطات زياراته الخارجية، ويُتوقع لها أن تكون فى مطلع الشتاء، نظراً لانشغال واشنطن، الآن، بالإعداد للقاء بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلي، فى شهر أغسطس المقبل، بهدف الوصول إلى اتفاق نهائى بشأن صراع القرن. والذى يرى المحللون السياسيون أن الوصول إلى مثل هذا الاتفاق سيعود بالعديد من المكاسب على الجانب الإسرائيلى كما أنه سيسجل فى صفحات التاريخ باسم الرئيس ترامب لنجاحه فى تحقيق ما فشل فيه الرؤساء الأمريكيون السابقون، وهو ما يهتم به ترامب بصفة شخصية ليثبت للجميع أنه رجل سياسة من الطراز الأول، وليس فقط رجل أعمال سابقا.
كانت تلك الانطباعات الأولية فى بداية زيارتى لواشنطن؛ فبالرغم من الاجازات الصيفية فإن رجال الإدارة الأمريكية يعملون على قدم وساق لتقريب وجهات النظر بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى من خلال لقاءات، بعيدة عن أعين الإعلام مع الساسة من الجانبين لعل وعسى أن ينجح ترامب وإدارته فى تحقيق هذا الاتفاق التاريخى.