الحلم العربى
أوبريت الحلم العربي، أحد أجمل الأعمال الفنية، الذى تم إنتاجه فى واحدة من دول الخليج العربى الشقيقة، ونال إعجاب جموع الشعوب العربية، وكان، ومازال، عالقا فى أذهاننا كلماته، التى نظمها الفنان الكبير مدحت العدل، رغم توقف الإعلام المصري، والعربي، عن إذاعته.
فى نفس عام إنتاج أوبريت الحلم العربي، 1998، كنت قد بدأت، بصفتى مديراً للشئون المعنوية، فى التخطيط للاحتفال الفنى بأعياد ثورة 1952، والذى يتواكب مع الاحتفال بتخريج دفعات الكليات العسكرية، ويشرفه بالحضور، السيد رئيس الجمهورية. فكان، هذا الاحتفال، يقام، حول حمام السباحة، بنادى الجلاء للقوات المسلحة، ليسع أكبر عدد من خريجى الكليات العسكرية، وعائلاتهم.
لقد صار هذا الاحتفال من أهم الأحداث المصرية، التى سنها الرئيس جمال عبد الناصر، وكان حريصاً على حضوره فى نادى الضباط، بالزمالك، وكان يشارك فيه ألمع نجوم مصر، والعالم العربي، آنذاك، مثل عبد الحليم حافظ، الذى لُقب بمطرب الثورة المصرية، ونجاة الصغيرة، وشادية، وفايزة أحمد، وصباح، وغيرهم الكثير، وحتى كوكب الشرق أم كلثوم، شدت بأجمل أغانيها، فى ذكرى احتفالات ثورة يوليو، رغم ما أشيع عنها، وظنه البعض، من معارضتها للثورة.
كان احتفال ثورة يوليو من أهم الاحتفالات، ليس فى مصر فقط، ولكن فى العالم العربى بأسره، فكان الجميع يلتف حول أجهزة الراديو، لمتابعة هذا الحدث الفنى الكبير، الذى أخرج أجمل الأغنيات الوطنية، التى عاشت حتى يومنا هذا. ومن هنا كانت المسئولية كبيرة، عند الإعداد لمثل هذا الاحتفال السنوي، وجاءتنى فكرة تقديم أوبريت الحلم العربي، على المسرح، لأول مرة فى مصر، فاتصلت بالأستاذ حلمى بكر، ملحن الأوبريت، بالمشاركة مع الموسيقار صلاح الشرنوبي، الذى رحب بالفكرة، على أن يتم تقديمه من خلال أوركسترا دار الأوبرا المصرية، وعلى مسرحها الكبير، ليظهر فى صورة تليق باحتفال يوليو. فتم تحديد اجتماع بمكتب المايسترو مصطفى ناجي، رئيس دار الأوبرا المصرية، وبدأ الموسيقار حلمى بكر، على الفور، بالاتصال بالفنانين العرب، أولاً، للتأكد من مناسبة مواعيدهم، لتوقيت الاحتفال.
أثرنى بشدة، ردة فعلهم للمقترح؛ فالفنانة أصالة، فى سوريا، رحبت على الفور، وفى إجابتها عن مناسبة موعد الاحتفال، لارتباطاتها، قالت بالحرف الواحد، ألغى أى شيء فى سبيل حفل 23 يوليو فى مصر، بالمثل رد الفنان نبيل شعيل، فى الكويت، قائلاً، سأترك أى شيء للحضور لمصر، وسألغى أى ارتباط، ولحقتهم الفنانة سمية، من السودان، فى الموافقة والترحيب … وهكذا، وفى غضون دقائق معدودة، كنا قد حصلنا على إجماع النجوم العرب بالمشاركة، وقد كنت أظنها الأصعب. للأسف، واجهتنا الصعوبات فى الاتفاق مع النجوم المصريين … آه والله … لم أصدق حجم الاعتذارات التى تلقيناها، فى رحلة البحث عن فنان مصري، للمشاركة، بدلاً من أحد الفنانين العرب، الذى تعذر حضوره.
المهم، تم عقد الاتفاقات المطلوبة، ووُضعت خطة البروفات، وتم إبلاغها للجميع، وكانت أولاها فى تمام السابعة صباحاً، فى أحد الأيام، وقبل الموعد، بنحو خمس عشرة دقيقة، حضرت، أنا وضباطى، من الشئون المعنوية، لمتابعة البروفة، وجلسنا فى الصفوف الخلفية، للمسرح الكبير، بدار الأوبرا، فوجدنا أعضاء الأوركسترا السيمفونى قد انتظموا، كل فى موقعه، على خشبة المسرح، اتساقاً مع منهج دار الأوبرا، القائم على الالتزام والانضباط. وكان النجوم العرب يجلسون، بالفعل، فى الصف الأول، لحين موعد مشاركتهم بالبروفة، بعد الانتهاء من البروفة المنفردة للفرقة الموسيقية.
فى الثامنة صباحاً، بدأ وصول الفنانين المصريين، تباعاً، إلا واحدة منهم. وفى تمام التاسعة، بدأت مشاركة الفنانين فى البروفة، دون تلك المطربة، حتى اضطررت لإرسال أحد أفراد الشرطة العسكرية، إلى منزلها، لاستطلاع الموقف، بعدما تعذر الوصول إليها عبر الهاتف، سواء المحمول أو المنزلي، فعلمت أنها كانت على موعد مع عمل فنى آخر، فى التوقيت نفسه. وفى المساء، اتصل بى زوجها، معبراً عن استيائه، قائلاً، الجيران يقولوا إيه والشرطة العسكرية بتدور علينا، فأجبته، ده التزام وطني، مش فرح بنتي. ونظراً لضيق الوقت، لم يكن أمامى فرصة، للأسف، لاستبدال تلك الفنانة، بأخري، وفى اليوم التالى للبروفة، كانت سيارة الشرطة العسكرية، أمام منزلها للتأكد من حضورها.
أقيم الاحتفال فى موعده، بمشاركة أحد عشر نجما ونجمة، فخرج فى صورة رائعة، نتيجة تفانى وإخلاص والتزام، كل من شاركوا فيه، سواء على المسرح، أو فى الكواليس، فدار الأوبرا المصرية، مدرسة فى الالتزام، والديكورات التى صممها المهندس الغرباوي، أستاذ الديكور فى الأوبرا المصرية، أبهرت الحضور. ولم يحدث فى الاحتفال كله، سوى خطأ وحيد، كان السبب فيه، المطربة التى تغيبت فى البروفة الأولي. بعد الاحتفال شكر السيد الرئيس الأسبق الفنانين المشاركين، والتقط معهم العديد من الصور التذكارية، فكان حفلاً رائعاً بكل المقاييس، أسعد الشعب المصري، والعربي، فى كل مكان. بعد الاحتفال طلبت من الفنانة أصالة، تحديد أجرها، فجاءنى ردها كالصاروخ، أأطلب أجرا لحفل يوليو فى مصر العروبة؟؟ ده شرف لى أن أشارك فيه، لأحقق حلم طفولتي، منذ أن كنت أشاهده، فى سوريا، كل عام، ولم تقبل حتى أن نتحمل تكاليف السفر والإقامة. وعلى المنهج نفسه، جاء رد الفنان نبيل شعيل، وكان كل ما طلباه، هو نسخة من صورهما مع الرئيس المصري. فحرصت فى صباح اليوم التالي، أن تصلهما الصور التذكارية، حاملة شكرى وعرفانى لما قدماه فى الاحتفال بالعيد القومى لجمهورية مصر العربية، عيد ثورة يوليو 52، وتخريج الكليات العسكرية.
أردت من هذا العرض، التأكيد، أولاً، على ما يكنه الإخوة العرب، من حب واحترام وتقدير لمصر، وتاريخها، وشعبها، وما تمثله المشاركة فى احتفالاتها القومية من شرف لهم. وثانياً، تأكيد أن الانضباط والالتزام، هما مفردا النجاح، وليس الموهبة وحدها، وهو ما تمنيت أن تكون المطربة المصرية، قد استوعبته، عندما لمحتها، بعد الاحتفال، تجلس فى ركن بعيد والدموع فى عينيها، بعدما كان أداؤها أقل من المستوي، على خشبة المسرح، فى احتفالية، يتمنى الجميع لو يحظون بفرصة المشاركة فيها.