الأبيتور
الأبيتور، هى الشهادة الألمانية، المعادلة لشهادة الثانوية العامة فى مصر، وتحرص الحكومة الألمانية على أن يتخرج الطالب، الحاصل على هذه الشهادة، متمتعاً بمستوى علمى متميز يتناسب مع سنواته العمرية، لذلك تشترط الحكومة الألمانية، عند إنشاء المدارس الألمانية، خارج ألمانيا، على خضوعها لرقابة وزارة التعليم بها، فتجد لها، على سبيل المثال، مواصفات ثابتة، وحدودا دنيا، للمبني، لا تتهاون بشأنها، كما تشترط، فور تسلم المبني، أن تتولى تأثيثه بالكامل، وفقاً لمقاييسها، فيصل الكونتينر، من ألمانيا، محملاً بجميع احتياجات المدرسة، بدءاً من المكاتب والمقاعد، للطلبة والمدرسين، والأجهزة اللازمة للمعامل العلمية، أو لغرف الرسم، أو الموسيقي، أو الرياضة، مروراً بالأقلام والكراسات اللازمة، وحتى الطباشير، فكان يستقدم من ألمانيا، قبل انتشار السبورة الذكية، وبالنسبة للكتب الدراسية، فتأتى كلها، من ألمانيا، مطابقة للمناهج التى تُدرس هناك، دونما أى اختلاف. أما فيما يخص أعضاء هيئة التدريس، فتتم إعارتهم من ألمانيا، بعد اجتيازهم اختبارات وزارة التعليم بألمانيا، وكذلك نظار ومديرو المدارس، وتتولى الحكومة الألمانية، تمويل هذه المدارس، وحتى أنشطتها الثقافية والفنية، مع مراعاة تقاليد، وأعراف، وثقافات كل دولة فى العالم. أما الامتحانات، وخاصة الأبيتور، فتوضع فى ألمانيا، وتعمم على المدارس الألمانية، خارج ألمانيا، لتوحيدها مع امتحانات المدارس الألمانية هناك، ثم تعود أوراق الإجابة، مرة أخري، لتصحيحها فى ألمانيا، إعمالاً لمبدأ الشفافية، وتكافؤ الفرص.
وخلال هذا الأسبوع حضرت حفل تخرج حفيدي، محمود وصفي، من المدرسة الألمانية بالقاهرة الجديدة، بعد حصوله على شهادة الأبيتور، ويشهد الله أننى من المغرمين بالفكر الألماني، والشخصية الألمانية، منذ كنت طالباً بالكلية الحربية، ودراسة التاريخ العسكري، ومعارك شمال إفريقيا، فى الحرب العالمية الثانية، فعشقت فكر الجنرال إرفين روميل. ومرت الأيام والسنوات، وفى أثناء دراستى فى كلية كمبرلى الملكية بإنجلترا، أمضيت أسبوعاً كاملاً فى زيارة مسرح العمليات فى منطقة نورماندي، فى فرنسا، حيث تم إنزال الحلفاء، من القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية، وغيرهم، على ساحل نورماندي، لمهاجمة القوات الألمانية التى احتلت فرنسا… وهى المناسبة التى احتفلت دول هذا التحالف، فى الأسبوع الماضي، بذكرى مرور 75 عاماً عليها. المهم أننا كطلبة كلية كمبرلى الملكية بإنجلترا، قضينا أسبوعاً كاملاً، على سواحل نورماندى ندرس هذه المعارك من الجانبين، وكان منهجاً رائعاً أن قامت الكلية البريطانية بدعوة القادة الإنجليز والأمريكيين، الذين اشتركوا فى هذه المعارك، ومازالوا على قيد الحياة، ليحكى كل منهم، على أرض المعركة، ما دار، وما هى الدروس المستفادة من هذه العمليات، وكان الأروع، فى هذا الحدث، هو دعوة القادة الألمان، الأعداء إبان تلك الحرب، ليقص كل منهم ما حدث، والدروس المستفادة، من وجهة النظر الألمانية.
ومن هذا المنطلق تمت دعوة قائد احتياطى البانزر الألماني، الكولونيل فان لوك، ولقد قابلت العديد من القادة العسكريين فى حياتي، ولكن هذا الرجل، وهذا القائد لم أقابل مثله أبداً… كان، خلال المعركة، برتبة كولونيل، أى مقدم، يقود فوجاً من 80 دبابة ألمانية، وكان قائد احتياطى البانزر الألمانى فى منطقة نورماندي، واستطاع هذا الرجل إيقاف تقدم الحلفاء، فى نورماندي، على مواجهة 100 كم، بهذه الدبابات الثمانين، لمدة ثلاثة أيام كاملة، فى انتظار احتياطى البانزر الألمانى الرئيسي. مكث الكولونيل فان لوك يومين معنا، لم أتركه خلالهما لحظة، حتى خلال راحة تناول الغذاء، لازمته لاستمتع بحديثه عن خططه، والضربات التى كان ينفذها، ضد قوات الحلفاء، على شواطئ نورماندي، واستمع منه إلى مناوراته الرائعة، وضرباته القوية، خاصة من الأجناب ضد قوات الإنزال من الحلفاء. وبعد أن انتهت الحرب عُين هذا القائد، رئيساً لأكبر مصانع الصلب فى ألمانيا، وهى شركة كروب، التى أقامت كوبرى الجامعة فى القاهرة، ومنذ ذلك التوقيت زاد عشقى للألمان، وبالذات العقلية العسكرية الألمانية، وعندما زرت ألمانيا، بعد ذلك، عدة مرات، تأكد لي، على الفور، أنه شعب منضبط، يهوى العمل، ويقدسه، ويتفوق إنتاجه، فى جودته، على كل المنتجات العالمية.
أعود، مرة أخري، إلى حفل تخرج حفيدي، محمود، من المدرسة الألمانية، بالقاهرة الجديدة، الذى يحمل السمات الألمانية من الدقة، والبساطة؛ عزف موسيقى أداه طلبة المدرسة، ثم كلمات مديرة المدرسة، وأعضاء هيئة التدريس، وكلهم من الألمان، وهم سعداء بتخرج أبنائهم المصريين بعد جهد سنوات عديدة، ورغم فخرى وسعادتى بحفيدى محمود، وهو يلقى كلمته نيابة عن الطلبة، الا أننى سرحت قليلاً، وسألت نفسي، أين شهادة الأبيتور المصرية؟ وأقصد شهادة الثانوية العامة… فأنا أتابع الجهد الكبير الذى يبذله وزير التعليم المصري، الدكتور طارق شوقي، وخطواته للتطوير، وتحديث المناهج، وأساليب الدراسة، والامتحانات، وربطها بأحدث التقنيات التكنولوجية، وتابعت الخطأ الذى حدث بسبب خلل الإنترنت، وتألمت كثيراً لما تلقاه من ضربات… ولكننى أقول له استمر فى مشوارك الذى بدأته، لتطوير التعليم فى مصر، ولا تيأس، خاصة أن السيد رئيس الجمهورية يدعمك، ويهدف إلى تطوير التعليم، ليضاهى المقاييس العالمية، ولا تلتفت لمن يتصيد الأخطاء، بل استمر فى معالجة أى قصور، قد ينتج بسبب عملية التطوير، خاصة أن استراتيجيتك سترحم الأسر المصرية من كابوس الدروس الخصوصية، والكتب الخارجية، التى تمثل عبئا ثقيلاً على ميزانية الأسرة. وأهمس فى أذن من يهاجمه، بأن التطوير، عملية مستمرة، وقد تتطلب بعض الوقت، ولكن نتائجها مضمونة، لوضع التعليم المصرى فى مكانته اللائقة.
وأنا على يقين أن سيادتك تعلم أن التطوير، يواجه، عادة، بالمقاومة، فى أثناء التنفيذ، ولكننى واثق من إصرارك على النجاح فى مهمتك القومية، التى هى أمن مصر، والمتمثلة فى تطوير نظام التعليم المصري، وبهذه المناسبة أحب أن أوضح أننى كنت أول من استخدم أجهزة التابلت بمنظومة التعليم، عندما كنت محافظاً للأقصر، حيث تسلمت ألف جهاز تابلت، هدية من رجل الأعمال العظيم معتز الألفي، وقمت بتوزيع نصفها على المدرسين، والباقى على مدارس محافظة الأقصر، وكنت أول من أدخل نظام الواى فاى فى مدارس الأقصر الثانوية… على أى حال تمنياتى لك معالى وزير التربية والتعليم بالتوفيق فى خطة علمية لتطوير نظام التعليم المصري، حتى تضاهى الثانوية العامة المصرية، فى قوتها، نظيراتها العالمية، خاصة الأبيتور الألمانية.