المغزى والمفهوم لزيارة رئيس كوريا الجنوبية إلى مصر
المغزى والمفهوم لزيارة رئيس كوريا الجنوبية إلى مصر
لواء دكتور سمير فرج
استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسى، يوم الخميس الماضى، الرئيس الكورى الجنوبى، مون جاى، فى زيارة رسمية لمصر بعد أن تأخرت 16 عامًا. هذه الزيارة كانت ضمن جولة للرئيس الكورى فى الشرق الأوسط شملت السعودية والإمارات ومصر. وعندما نتعرف على كوريا الجنوبية نقول إنها كانت دولة واحدة تحت الإمبراطورية اليابانية عندما احتلتها اليابان فى الحرب العالمية الثانية حتى عام 1945، وبعد هزيمة اليابان تم تقسيم شبه الجزيرة الكورية بين روسيا وأمريكا، فأصبحت كوريا الشمالية تابعة لروسيا وكوريا الجنوبية تابعة لأمريكا، ثم حدثت الحرب الكورية بين الدولتين عام 1950 وانتهت عام 1953 بوقف إطلاق النار دون اتفاقية سلام، لذلك فإن الدولتين حتى الآن فى حالة حرب. عمومًا فإن كوريا الجنوبية عضو فى الأمم المتحدة وكافة المنظمات الدولية، والواقع أن كوريا الجنوبية تُعتبر فى العقدين الماضيين أقوى النمور الاقتصادية فى منطقة جنوب شرق آسيا، حيث حققت أرقامًا كبيرة فى مجال النمو والتكامل الاقتصادى، ففى عام 2004 دخلت كوريا نادى دول الألف مليار فى الاقتصاد العالمى، وأصبح دخل الفرد فيها أضعاف أضعاف دخل الفرد فى كوريا الشمالية، وأصبحت كوريا الجنوبية من أكثر الدول تقدمًا فى الزراعة والصناعة فى المنطقة. من هنا أصبح لدى كوريا الجنوبية فائض كبير فى الدخل بدأت فى استثماره خارج البلاد، ومن هنا جاءت زيارة الرئيس الكورى إلى منطقة الشرق الأوسط، حيث مجالات الاستثمار كبيرة وإلى إفريقيا، السوق الواعدة فى العالم كسوق استهلاكية ومناطق جذب للاستثمار من خلال بوابة إفريقيا التى هى مصر.
وتتمتع كوريا الجنوبية حاليًا ببنية أساسية متقدمة فى كل المجالات كالطرق والسكك الحديدية والكهرباء والموانئ والمطارات كلها ساعدت على تطورها الكبير. وعندما تتجول فى شوارع سول العاصمة لن تصدق أنك فى جنوب شرق آسيا، بل ستظن أنك فى أجمل المدن بالولايات المتحدة الأمريكية فى كل نواحى الحياة المدنية والصناعية والثقافية. لذلك أعتبر هذه الزيارة لمصر من أهم الزيارات التى تمت فى الفترة الأخيرة، وإن كانت قد تأخرت، إلا أن نتائج هذه الزيارة حققت تطورًا كبيرًا فى شكل العلاقات بين الدولتين، خاصة ما أعلنه الرئيس السيسى من أن مصر تسعى لطفرة تنموية على غرار التجربة الكورية، لذلك تم التركيز على 3 قطاعات مهمة فى التقدم الكورى، فلقد تم فى البداية إبرام العديد من الاتفاقيات، أهمها اتفاقية التجارة الحرة، التى تصنفها الدوائر الاقتصادية بأنها الأولى لدولة كوريا الجنوبية فى إفريقيا، وأنها ستصبح المدخل للمنتجات الكورية إلى إفريقيا عبر بوابة مصر الاقتصادية، كذلك اتفاقيات نقل وتوطين التكنولوجيا الكورية إلى مصر، خاصة فى مجالات التصنيع المشترك لكى لا تكون مصر دولة مستوردة للمنتجات الكورية، وهو ما يؤكد اهتمام الرئيس السيسى ببناء قاعدة صناعية فى مصر بالاستفادة من الخبرة الكورية، كذلك توقيع اتفاقيات فى مجالات الطاقة والتعدين والنقل والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات تمهيدًا لدخول مصر إلى عصر الثورة الصناعية الرابعة فى العالم، وبالطبع بداية فتح أسواق لهم فى إفريقيا.
وكان مؤتمر المائدة المستديرة الذى عُقد بين رجال أعمال الدولتين، بمشاركة الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، فرصة عظيمة لعرض فرص ومجالات الاستثمار فى مصر مع عرض للمزايا والحوافز التى ستُقدم للمستثمرين الكوريين لضمان سرعة تنفيذ استثماراتهم فى مصر. وبانتهاء الزيارة تكون مصر قد وقّعت عددًا من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم شملت توقيع وزارة التجارة والصناعة مع الجانب الكورى على إعداد دراسة مشتركة حول أولويات الشراكة الاقتصادية والتجارية بين البلدين، وأعتقد أنها أولى الخطوات العلمية والعملية حتى لا تنزلق فى مشروعات لا تعود بالعائد المناسب لكلا البلدين. كما تم توقيع مذكرة التعاون المالى بين وزارة التعاون الدولى والصندوق الإنمائى الاقتصادى لأعوام 2022- 2026 بقيمة مليار دولار، بالإضافة إلى توقيع البلدين على وثيقة ترتيبات بشأن تمويل من صندوق التعاون للتنمية الاقتصادية لمشروع تحديث خط السكة الحديد بين الأقصر والسد العالى بقيمة 251 مليون دولار والتوقيع على وثيقة متبادلة بتقديم كوريا الجنوبية منحة لا تُرد بقيمة 7.9 مليون دولار، وعلاوة على ذلك يجب ألّا ننسى ما تم الاتفاق عليه بشأن قيام كوريا الجنوبية بدعم الصناعات العسكرية المصرية نظرًا لتفوق كوريا الجنوبية فى إنتاج أحدث الأسلحة والمُعَدات الحربية فى الترسانة العسكرية العالمية، وهو ما سيكون له أثر كبير على زيادة القدرات القتالية للقوات المسلحة المصرية فى المستقبل.
وفى مجال السياسة يظهر تطابق فكر الدولتين، مصر وكوريا الجنوبية، بشأن القضايا الإقليمية والعالمية، حيث أكدت كوريا الجنوبية ضرورة تحقيق الاستقرار فى ليبيا وسرعة إجراء الانتخابات مع تفهم كوريا الجنوبية أوضاع الأمن القومى المصرى، ولقد أكد الرئيس الكورى فى كلمته أن مصر دولة مركزية ومحورية فى المنطقة وضرورة التوسع فى مجالات الطاقة المتجددة والنقل صديق البيئة والتنمية البحرية والفضاء والسياحة، وأخيرًا التبادل الثقافى.
من ذلك كله أكرر أنه رغم تأخر تلك الزيارة لمصر لنحو 16 عامًا، فإنها سوف تكون بداية لمصر لدخول عصر جديد فى التنمية الصناعية اعتمادًا على الخبرة الكورية بنقل تكنولوجيتها وتوطين صناعاتها فى مصر، وستكون مصر بوابة كوريا الجنوبية إلى إفريقيا، وهو ما يحقق منافع اقتصادية متبادلة للدولتين. وهكذا فإن مصر تخطو كل يوم خطوة جديدة نحو مستقبل مشرق يحقق الرخاء والرفاهية لمصرنا الحبيبة.