قصة القضاء على بن لادن
في أمسية جميلة من ليالي القاهرة … وفي واحد من مطاعم مصر الجديدة … المشهور بتقديم أنواع متفردة من الأسماك … دعوت صديقي الوزير Leon Panetta، وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، ورئيس وكالة المخابرات المركزية الأسبق (CIA)، في عهد باراك أوباما، ورئيس هيئة البيت الأبيض الأسبق في عهد بيل كلينتون. وهي ثلاث وظائف رئيسية، وغاية في الحساسية في الولايات المتحدة الأمريكية … ولم يسبق لشخص واحد أن تولاها جميعاً،من قبل، خلال مسيرته … وهو ما يدلل على أهمية هذا الرجل.
لقد كان اختياري لذلك المطعم، ذو الصبغة الإيطالية، نظراً لأن الضيف تمتد أصوله إلى إيطاليا، فكانت فرحته كبيرة لرؤية ألوان العلم الإيطالي تزين المكان. بدأت جلستنا على العشاء، بحوار عن الأحوال في منطقتنا، خاصة وأنه كان يشغل منصب وزير الدفاع الأمريكي، إبان اندلاع “ثورات الربيع العربي”، وكان على اتصال دائم بالمشير حسين طنطاوي، آنذاك، بمتوسط ثلاث مرات يومياً، وهو ما دفعه لقول “يجب على مصر والمصريين أن يتذكروا جيداً فضل هذا الرجل في الحفاظ على البلد، واستقراره”، مضيفاً “أنه لولا حكمة هذا الرجل، أثناء قيادته للبلاد، لصارت مصر مثل سوريا أو العراق”. وهنا التقت هاتفي، واتصلت بالمشير طنطاوي، وأخبرته عن عشائي مع الضيف الأمريكي، وعن الحديث الذي جمعنا … ثم ناولت الهاتف للسيد Panetta، الذي استغرق في حديث مطول مع المشير طنطاوي، انهياه باتفاق على لقاء قريب، في أول زيارة قادمة إلى القاهرة، يجمع ثلاثتنا، لاسترجاع ذكريات وتفاصيل تلك المرحلة، إذ كان موعد مغادرته لمصر محدد في الصباح الباكر من اليوم التالي.
وقبل الدخول في موضوع المقال، أود التذكيربأن الوزير الأمريكي Panetta شغل منصب رئيس وكالة المخابرات المركزية في عهد الرئيس الأمريكي أوباما، ثم وزيراًللدفاع، في عهده أيضاً، أثناء “ثورات الربيع العربي”، وبعدما ترك منصبه في فبراير 2013، كتب مذكراته في كتاب ضخم بعنوان “Worthy Fights: A Memoir of Leadership in War and Peace”، أو “معاركجديرة بالخوض: مذكراتمنالقيادةفيالحربوالسلام”، انتقد فيها سياسات الرئيس أوباما، خلال فترة عمله معه. وبالرغم مما يراه البعض من كون ذلك ممارسة ديمقراطية، لا تتسنى لأحد خارج الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها أعتى الديمقراطيات … إلا أن الاقتراب من تفاصيل المشهد، تؤكد لك أن الحقيقة تختلف كثيراً عما تتغنى به أمريكا، ويصوره لنا الإعلام. وهو ما تأكدت منه بنفسي أثناء الإشراف على الترتيبات الخاصة بزيارة الوزير الأمريكي Panetta إلى القاهرة؛ إذ جرت العادة أن تقوم سفارته بالقاهرة، بالمشاركة في ترتيبات الزيارة، وتوفير كافة الاحتياجات المطلوبة لتأمين شخصية هامة مثله، خاصة وأننا سنتعرف بعد قليل على أن الوزير Panetta على رأس القوائم المهددة من قبل الجماعات الإسلامية المتطرفة، بدءاً من السيارة المصفحة، وسيارات التأمين المرافقة، وأفراد التأمين اللازمين. كما تلتزم السفارة بترتيب إجراءات استقباله، كواحد من كبار الزوار، حتى وإن لم يكن في منصب رسمي، أو مهمة رسمية، ويقيم االسفير حفل استقبال على شرفه. إلا أن السفارة اعتذرت عن تقديم أي مما تقدم، واكتفت بتحديد مقابلة شخصية له مع السفير مدتها 45 دقيقة. وقد علمت فيما بعد، أن هذا الموقف يتكرر معه، في العديد من البلدان الأخرى، منذ انتقاده للرئيس أوباما، وسياساته. هذه صورة من ديمقراطية الغرب، التي طالما تطلعنا إليها، وحلمنا بها … ديمقراطية الأضواء الإعلامية!
نعود، الآن، إلى موضوع المقال … فلقد حكى الوزير الأمريكي، خلال عشاءنا، قصة القضاء على بن لادن … والحقيقة أنني احتفظت بالتفاصيل لنفسي، ولم أكن أنوي تناولها لسببين، أولهما أن الحديث جرى في مقابلة شخصية وليست رسمية، ثانياً أن نشر أي من تلك التفاصيل، يتطلب موافقة صاحب الأمر أولاً. ولكن ما دفعني للعدول عن رأيي، بعد فترة من لقائي معه، هو أنني فوجئت في الأسبوع الماضي، بعرض فيلماً وثائقياً على قناة BBC Arabic، يروي معظم الأحداث والتفاصيل التي شاركني إياها الوزير Panetta، فلما أصبحت المعلومات متاحة على شاشات التليفزيون، رأيت أن أعرض هذه التفاصيل على من لم تسنح له الفرصة لمشاهدة ذلك الفيلم الوثائقي.
نسرد،أولاً، نبذة، سريعة، عن أسامة بن محمد بن عوض بن لادن، المعروف باسم أسامة بن لادن، المنتميلأسرة سعوديةمحافظة، وثرية، تربطها علاقات قوية بعائلة آل سعود الحاكمة. ورث عن والده ثروة طائلة، تقدر بمئات الملايين من الدولارات، فعمل، مثل باقي أفراد عائلته، في مجال المقاولات، قبل أن يؤسس جبهة المجاهدين العرب في أفغانستان، التي تطورت بعد ذلك إلى تنظيم القاعدة. لقبه الكثير من السعوديون باسم “أسامة البطل”، ولكن سرعان ما نقلب عليه كل سكان الخليج العربي، بعدما انتقد التواجد العسكري في منطقة الخليج.عند التحاقه بالمجاهدين في أفغانستان، كان أسامة سلفياً، محافظاً، ولكنه اعتنق الفكر الجهادي، الذي ينادي باستخدام السلاح لإحداث التغيير. هاجم النظام السعودي، وعاداه، وانتقده بشده، حتى أصبح فرداً غير مرغوب فيه في المملكة، فانتقل إلى السودان، قبل أن تسقط السعودية عنه جنسيتها، ومنها إلى أفغانستان، بعد سيطرة طالبان على السلطة هناك.
اتهمته واشنطن بتفجيرات “الخُبر”، “ودار السلام”، “ونيروبي”، وبالوقوف خلف الهجوم على المدمرةالأميركية”يوأسأسكول”فيميناءعدناليمني. ثم كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر، المعركة الحاسمة، لتصنفه بأكبر الإرهابيين المطلوبين، وعندها أطلق الرئيس الأمريكي جورج بوش (الابن)، حملته ضد الإرهاب. فقررت القوات الأمريكية اجتياح أفغانستان، وأطاحت، بالفعل، بحكومة طالبان، إلا أنهم فشلوا في العثور على بن لادن، الذي بدأ، بعد ذلك، في الانزواء عن الإعلام، ولكنه خلّف وراءه أفكاراً، وعالماً منقسماً، خاصة بعدما أسس للفكر الجديد، بنقل الحرب من جبال أفغانستان إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ودول أوروبا.
مرت عشر سنوات على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، والجميع يبحث عن بن لادن في الجبال، والسهول، والأودية، والكهوف، والحفر، حتى ظن البعض أنه قد مات. ثم استيقظ العالم، في يوم 2 مايو 2011، على بيان للرئيس الأمريكي باراك أوباما، يعلن فيه عن نجاح القوات الخاصة الأمريكية، من تنفيذ مهمة خاصة، بقتل أسامة بن لادن، زعيم القاعدة، المسئول عن مقتل الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء. وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، أنه تم إقامة الشعائر الإسلامية الخاصة بوفاته، وتم دفن جثته في قاع بحر العرب، حتى لا يصبح قبره مزاراً للجماعات المتطرفة.
قال الوزير الأمريكيPanetta، أنه فور توليه رئاسة وكالة المخابرات المركزية، تم استدعاءه من الرئيس أوباما، الذي كان قد بدء لتوه فترة ولايته الثانية في 2008، ومن الكونجرس الأمريكي، وتم تكليفه بتكريس كافة جهود وموارد وكالة المخابرات، في العثور على أسامة بن لادن، حياً أو ميتاً، إذ أن مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية مرهونة بذلك. وبدأ البحث!
ركز Panetta جهوده، منذ اليوم الأول، في متابعة خيوط العثور على بن لادن، وابتعد عن الصور الجوية والمعلومات السابقة، التي بذلت فيها CIA جهوداً كبيرة، فشلت كلها في تحقيق الهدف. اتجهت الأراء، إلى ضرورة البحث عن “السعاة” المكلفين بنقل المعلومات، والأوامر، والخطط الإرهابية، من أسامة بن لادن، إلى أعضاء تنظيم القاعدة في مختلف الأنحاء. وكان معروفاً أن جميع “السعاة” يغلقون هواتفهم المحمولة لمسافة لا تقل عن 160كم، من أماكن لقاء بن لادن، لضمان استحالة اقتفائهم إلكترونياً. وتوصل فريق العمل بوكالة الاستخبارات الأمريكية، إلى سجين سابق بمعتقل جوانتانامو، يقال له “الكويتي”، وقادتهم معلوماتهم إلى أنه أحد المراسلين الهامين. وقد زادت أهمية ذلك “الكويتي” عندما أنكر جميع المعتقلين، بجوانتانامو، أهمية هذا الرجل، ومن هنا بدأ التركيز عليه.
بإصدار التكليف بالحصول على بن لادن، حياً أو ميتاً، تم تخصيص موازنة إضافية لوكالة الاستخبارات المركزية، لتنفيذ تلك المهمة، فتم نقل قوات أمريكية من العراق، إلى أفغانستان لمتابعة بن لادن. وبدأت متابعة العديد من أرقام الهواتف، للوصول إلى رقم “الكويتي”، وهو ما استلزم متابعة أكثر من مليون رقم على مدار عامين. وأخيراً، وفي عام 2010، تم رصد مكالمة بين رجل في شمال غرب باكستان، مع آخر بمنطقة الخليج العربي. ومن هنا … من هذا الخطأ … بدأت متابعة هذا الرجل، الذي كان أول الخيط لسقوط بن لادن، وأطلق على هذا الرجل الكويتي اسم حركي … “وحش قندهار” … وبمتاعته ورصد تحركاته، تبين تكرار زياراته إلى مدينة أبوت أباد الباكستانية، مقر الكلية الحربية الباكستانية، حيث يتجه إلى مبنى منعزل هناك، يتكون من ثلاثة طوابق، وتحيطه أسواراً عالية، يعتليها أسلاك شائكة … وأعتقد أن هذا هو مقر بن لادن … ولأول مرة، يتصل Panetta بالرئيس أوباما ويخبره بأنهميقتربون من بن لادن!
وحيث أن المبنى يقع داخل دولة لها سيادتها، وفي مدينة شبه عسكرية، لوجود الكلية الحربية بها، فإن أي عمل عسكري أمريكي، سيقابله، على الفور، رد من القوات المسلحة الباكستانية. ولتفادي هذا الموقف، ووفقاً لدراسات المخابرات الأمريكية، قام عدد من عملاءها بالانتقال للعيش في مدينة أبوت أباد، بجوار المبنى المشتبه فيه. وبالمراقبة، تبين أنه مجمع سكني، يعيش فيه “الكويتي” وزوجته … وأخوه وزوجته … “وشخصية هامة”، أخرى، تعيش داخل هذا المجمع، ولكن لم يستدل عليها، حينئذ. وتلاحظ من المراقبة، أنه لا أحد يخرج من هذا المبنى لقضاء احتياجاتهم إلا “الكويتي” … ولم ترصد أي اتصالات إلكترونية من داخل المبنى … إذ أن “الكويتي” كان يخرج إلى أحد المدن المجاورة، ويجري اتصالاته من أحد مقاهي الإنترنت، ثم يتأكد من من محو أي أثر لتلك المكالمة.
وباستمرار المراقبة، تبين أن “الشخصية الهامة” التي تعيش في هذا المجمع، لا تخرج منه على الإطلاق، وتقتصر تحركاتها على المشي، لأوقات محدودة، داخل فناءه. وبقياسات الطول التي التقتطها الأقمار الصناعية لتلك الشخصية، تأكد الأمل، بنسبة كبيرة، من أنه، بالفعل، بن لادن.
عندئذ، اتصل Panetta بالجنرال الأمريكي ماكروف،المسئول عن التخطيط لتنفيذ العملية، باستخدام القوات الخاصة الأمريكية، والذي طلب إرجاء العملية لمدة 24 ساعة، نظراً لسوء الأحوال الجوية في يوم 30 أبريل 2011. وفي ذات التوقيت، كان البيت الأبيض يقيم الحفل السنوي للمراسلين الصحفيين، والذي حضره الرئيس أوباما، كالعادة، وكان كل رجال الرئيس في حالة توتر وترقب… في انتظار تنفيذ العملية.
في صباح ذلك اليوم … وكعادته كل أحد … مارس الرئيس الأمريكي أوباما رياضةالجولف المفضلة لديه … إلا أن شعوره بالتوتر، لم يمكنه من إتمام عدد الحفر التي تعود عليها. فطلب تأمين خط اتصال مباشر بينه وبين مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية، لمتابعة تنفيذ العملية.
يروي Panetta أن القوات المنوط بها تنفيذ العملية، كانت قد تدربت لمدة 30 يوماً متواصلة، دون معرفة الهدف … ولم يعرفوا سوى يوم 30 أبريل، بأن الهدف هو … أسامة بن لادن … “جيرونيمو” … وهو الاسم الكودي الذي أطلق عليه في هذه العملية، نسبة إلى أحدزعماءقبيلةالأباتشي،أحدأشهرقبائلالهنودالحمر،سكانأمريكاالأصليون،الذينقاتلوا “الأمريكيينالبيض” فيالقرنالتاسععشر.
ولقد تضمنت فترة التدريب، تشييد مبنى كامل، يشبه من الخارج ذلك الموجود به بن لادن، أما من الداخل، فقد تم وضع تصور هيكلي لما يمكن أن يكون عليه، ومن ثم تم إجراء التدريبات العملية للقوات على هذا المبنى، وتم وضع عدد من السيناريوهات المختلفة، تحسباً لكافة الظروف. وعلى الرغم من وجود مترجم ضمن قوات العملية، إلا أنه تم تدريب كافة القوات، يومياً، على اللغات الباكستانية والعربية، وخاصة بعض المصطلحات التي سيتم استخدامها أثناء تنفيذ العملية. ولقد أصر الجنرال ماكروف على تزويد قوات التنفيذ بأحدث الأجهزة والمعدات الإلكترونية الموجودة في الترسانة الحربية الأمريكية، خاصة أجهزة الرؤية الليلية، والتي كان من شأنها إضاءة المبنى من الداخل، بمجرد نجاح القوات في اقتحامه، يأشعة لا يراها سوى عناصر الاقتحام، وكاميرات التصوير التي تنقل الحدث، عبر الأقمار الصناعية، إلى مركز القيادة في واشنطن.
تم تنفيذ العملية باستخدام 2 طائرة شينوك … على متنها 56 جندي أمريكي … وتحملان الاحتياطي اللازم للإنقاذ السريع … ومهمتهما عمليات الإنقاذ السريع، وإعادة تموين باقي الطائرات الأخرى. بالإضافة إلى طائرتي بلاك هوك، تحملان 24 فرداً، هم قوات الاقتحام … منهم فرد مترجم، وكلب يدعى “كايرو”. كانت مدة الرحلة 90 دقيقة من أحد القواعد العسكرية الأمريكية في أفغانستان … عابرة الحدود الباكستانية إلى مدينة أبوت أباد العسكرية. وكان الطياريين قد تدربوا على التحليق المنخفض جداً، مستغلين الوديان المنخفضة بين الجبال الشاهقة … حتى لا يتم كشفهم بواسطة الرادارات الباكستانية، وهو ما يعني تدميرهم بواسطة سلاح الدفاع الجوي الباكستاني، باستخدام الطائرات إف-16.
نصت الخطة على هبوط الطائرة البلاك هوك الأولى، على سطح المنزل، بينما تهبط الثانية على الأرض بجواره مباشرة، ليتم مهاجمة المنزل من اتجاهين، لإرباك الهدف داخل المنزل. بينما تهبط الطائرتين الشينوك، اللتان تحملان عناصر الدعم الاحتياطي، على مسافة 104كم من الهدف، حتى لا تلفت الأنظار بقوة صوت محركاتها الجبارة.
ولكن عند التنفيذ، حدث ما لم يكن في الحسبان، فبمجرد اقتراب الطائرات من منزل الهدف، اندفع عمود هوائي لتغيير المناخ، أدى لسقوط الطائرة البلاك الأولى، وتحطم المروحية، ولكن لم يصب رجالها بأذى. وكان الرئيس أوباما يتابع تنفيذ العملية على الهواء، من مركز القيادة، بواسطة الأقمار الصناعية وبواسطة الطائرات الموجهة بدون طيار. وبسقوط تلك الطائرة، تغيرت الخطة تماماً، بأن يصبح الهجوم على المبنى من الخارج … وباستخدام كل القوات. وبدأ اقتحام المبنى وفقاً للتدريبات السابقة … وكان “الكويتي وزوجته أول من قتلا في الطابق الأسفل … تلاه قتل أخوه وزوجته في الطابق الثاني … واندفعت القوات إلى الطابق الثالث، لتجد بن لادن … وأكدواللقيادة المركزية بأن “جيرونيموموجود” … وأردوه قتيلاً برصاصة في الرأس … وأبلغوا الرئيس الأمريكي ومدير وكالة الاستخبارات الأمريكية قائلين “لقد نلنا منه”. وللتأكد من أنه الهدف المطلوب، فقد مدت جثته على الأرض، واستلقى بجوارها جندياً أمريكياً، للتأكد من طوله، وتم إرسال الصور إلى القيادة المركزية. ولزيادة التأكيد، تم تحليل الحامض النووي له، قبل إلقاء جثته في البحر، كي لا تصبح مزاراً لأعضاء الحركات المتطرفة مستقبلاً.
وبانتهاء المهمة، واستعداد أفراد طاقمها للعودة، ظهرت مشلكة الطائرة المعطلة، فكان القرار هو سرعة تدميرها بشكل كامل، لتعثر نقلها، واستحالة تركها على حالتها، نظراً لاحتوائها على معدات ذات تقنيات عالية، لا يجوز لأحد الإطلاع عليها. ومع تفجير الطائرة بالكامل، أصبح احتمال تدخل القوات الباكستانية وارد في خلال دقائق، فانطلقت الطائرات الشينوك لتحمل طاقم المهمة، ومعهم جثة أسامة بن لادن. وكانت عودة الطائرات، وعبورها الحدود الباكستانية، وإعادة ملأ خزانات الوقود للطائرة البلاك هوك المتبقية، من أعقد المراحل في العملية، إذ تطلبت استخدام أعلى درجات التشويش على جميع الرادارات الباكستانية في طريق العودة، حتى هبوطها في “قاعدة جلال أباد العسكرية” في أفغانستان.ووصلت جثة بن لادن إلى حاملة الطائرات الأميركية “كارل فنسون”، حيث تم إجراء تحليل الحامض النووي DNA، والذي تطابق مع أحد أقرباء بن لادن، بعد نحو 8 ساعات من إجراء التحليل.
وبذلك لم يعد الأمر سراً، فخرج الرئيس أوباما، بعد نحو 3 ساعات من انتهاء العملية، وحتى قبل ظهور نتائج تحليل الحامض النووي، ليعلن للشعب الأمريكي، وللعالم أجمع، خبر القضاء على بن لادن على يد القوات الخاصة الأمريكية، مضيفاً أنه تم تطبيق الشعائر الإسلامية قبل إلقاء جثته في البحر، كي لا يمجد من قبل الجماعات المتطرفة.وبإعلان الرئيس أوباما لهذا الخبر، انتهت قصة “أخطر رجل في العالم”، الذي نال من هيبة الولايات المتحدة الأمريكية، نيلاً كبيراً.
يقول السيد Panetta، أن فرحة الأمريكيين بهذا الخبر، لا تضاهيها فرحة، وتتلاشى أمامها أي صعاب. مضيفاً، أنه لا يهمه حجم الأموال التي أنفقت خلال السنوات السابقة لتنفيذ العملية، أو الأموال التي أنفقت في التنفيذ، ولا يهمه حجم الأعمال الاستخباراتية، والمتابعات الميدانية، وعدد الأفراد الذين تم رصد تحركاتهم، ومكالماتهم … كل ما يعنيه هو أنه أتم المهمة التي كلف بها، من قبل الرئيس والكونجرس الأمريكي، وانتقم لأرواح العشرات من الآلاف ممن قضى عليهم بن لادن في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وغيرها، وانتقم لشرف الولايات المتحدة الأمريكية. ويقول أنه بالرغم من عدم مرور وقت طويل على تلك العملية، إلا أن طريقة الإعلان عنها بهذه الطريقة، كان من أساليب الدعاية الأمريكية، التي تهدف إلى بث الخوف والرعب لمن تسول له نفسه المساس بأمن الولايات المتحدة الأمريكية.