شخصيات فى حياتى (6).. كوندوليزا رايس
بينما ألملم أوراق عام مضي، تمهيدا لاستقبال عام جديد … وبينما أستعد لكتابة تحليل مفصل عن حصاد عام 2018، على المستوى الاستراتيجى والسياسى والعسكرى … إذ بى أجد، بين أوراقي، تسجيلا مصورا للسيدة كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، خلال الولاية الثانية للرئيس الأمريكى الأسبق چورچ بوش (الابن)، التى كانت ثانى امرأة تتولى هذا المنصب، بعد السيدة مادلين أولبرايت. دفعنى فضولى للاستماع لذلك التسجيل، مرة أخري، وكان يحتوى على كلمة رايس فى مؤتمر »الحرية والدروس المستفادة من أحداث الشرق الأوسط«، والذى عقد فى مركز چورچ دبليو بوش بالعاصمة الأمريكية، واشنطن، فى مايو 2011، بحضور چورچ بوش الابن. لم تكن تلك المرة الأولى التى أستمع فيها لكلمتها، فى ذلك المؤتمر، ولكنها المرة الأولى التى أقرر أن أجعلها موضوعا لمقالي، فى الأسبوع الأخير من عام 2018، علك، عزيزى القارئ، تستنبط منها بعض الدروس، والمعاني، تصريحا، أو تلميحا. فى ذلك المؤتمر، جاء رد السيدة رايس، على سؤال أحد الحضور، حول جهود الولايات المتحدة لدعم الديمقراطية فى مصر، والتى يراها أنها لم تكن كافية … أجابت رايس بأن الولايات المتحدة ليس لديها القدرة، دائماً، على دفع الأحداث، فى الاتجاه الذى تريده، بالرغم من محاولاتها، ضاربة مثالا بجهود بلادها فى العراق، التى أثمرت عن إسقاط الديكتاتور صدام حسين، لما يشكله من خطر على السلام والأمن القومى العالمي، وفقاً لوجهة نظر بلادها، مضيفة أنهم كانوا مستعدين بحزمة من الوسائل، لمساعدة الشعب العراقى فى الوصول إلى الديمقراطية. واستطردت رايس قائلة: إنه فى دول أخري، ممن تتمتع بأنظمة مستقرة للسلطة، مثل مصر، فلبلادها نهج سياسى مختلف، حيث حاولنا إمداد الشعب المصرى بالوسائل التى يحتاجها، للتحدث عن حريته، وتمثل احدى هذه الوسائل، فى منح 50% من المساعدات الأمريكية، لتعزيز الديمقراطية، لمجموعات ومنظمات، ليست مسجلة لدى الحكومة المصرية، وهو ما كان صفعة قوية لنظام مبارك. ولم نكتف بذلك، والكلام على لسان السيدة رايس، بل تعمدنا عدم توجيه الدعوة للرئيس المصرى الأسبق مبارك، لزيارة واشنطن، منذ عام 2004، وهو ما لم يكن، فى الحقيقة، يتعلق بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، كما أُشيع، بل كان له علاقة، مباشرة، بصناعة الثورة فى مصر. وأضافت السيدة رايس، أن بلادها استخدمت كل ما تملك من أدوات، رداً على ما تفعله مصر تجاه القوى الديمقراطية، ومنها تعطيل اتفاقية التجارة الحرة مع مصر، للضغط عليها اقتصاديا. وبالتزامن مع تلك الجهود، وتحديدا منذ عام 2006، كنا نحاول دعم لبنان، والقوى الديمقراطية فى فلسطين، والقوى الوطنية فى مصر، ودول أخرى مثل العراق.
كان ذلك نص ما جاء على لسان السيدة كوندوليزا رايس، فى ذلك المؤتمر، وفى إجابتها عن سؤال، واحد فقط، فيه، وهو ما يمكنكم الاطلاع عليه، ومشاهدة المؤتمر، مترجما إلى العربية، من خلال الرابط التالي.
أعتقد أن تلك الإجابة لا تحتاج إلى شرح، أو تفسير، أو تحليل … لقد أفردت السيدة رايس نقاطا عديدة، وبوضوح، فقد أقرت بأن الولايات المتحدة الأمريكية، أسقطت نظام صدام حسين، وأوهمت الشعب العراقي، بمساعدته فى الحصول على الديمقراطية، وإن كانت لم تقل، صراحة، إنها الديمقراطية التى تريدها أمريكا فى المنطقة. وفى إجابتها عن مصر، كانت، السيدة رايس، واضحة، كل الوضوح، فى سرد وسائل الضغط المتعددة، التى استخدمتها بلادها، ومارستها ضد مصر، فى سبيلها لصناعة الثورة، التى تلت ذلك، للضغط عليها، تحت شعار البحث عن الديمقراطية… تماما كما فعلت بالعراق. تذكرت وأنا أشاهد ذلك المقطع، لقاء جمعنى بالسيدة كوندوليزا رايس، عندما حضرت إلى الأقصر، فى 15 يناير 2007، للقاء الرئيس الأسبق حسنى مبارك، خلال زيارة سيادته للأقصر. استقبلها، حينها، نظيرها المصري، وزير الخارجية الأسبق أحمد أبو الغيط، وصحبها إلى فندق ونتر بالاس، Winter Palace، لتناول الغذاء مع الدكتور أحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء، آنذاك، واللواء عُمر سليمان. بعد الغذاء رافقها الوزير أبو الغيط، لمقابلة السيد الرئيس الأسبق مبارك، وبعد انتهاء جلسة المباحثات، طلب الرئيس الأسبق، بقاء الوزير أبو الغيط، للتشاور، بينما أقوم أنا، باصطحابها للمطار. وفى طريقنا إليه، مررنا بمعبد الأقصر، وسألت السيدة رايس، عن موعد إعادة افتتاح طريق الكباش، والذى قرأت عنه، قبل مجيئها، واستطردت أنها تتمنى العودة إلى الأقصر، يوماً، لزيارتها، باعتباره حلما يراودها منذ الطفولة، بعدما درست تاريخ الحضارة المصرية. فى تلك الأثناء، سألتها سؤالا، سياسيا، بعيدا عن مهام منصبي، كمحافظ للأقصر، هل تعلمين شعور المصريين تجاه الولايات المتحدة؟! وهل تعلمين أنهم غير سعداء بسياسة بلادها تجاه مصر خاصة، والقضية الفلسطينية عامة؟ مضيفاً أننا لو توقفنا بالسيارة، وسألنا أى مواطن، فى طريقنا، عن رأيه فى سياسة أمريكا تجاه مصر، فقد تذهلها الإجابة. ولكن فى الحقيقة، ما أذهلني، كانت الصراحة الفجة فى ردها، عندما قالت لي، نصا: أعلم، تماماً، ما سيقوله أى مواطن مصري، ولكنها السياسة، يا سيادة المحافظ … نحن لسنا سوى أدوات، ننفذ سياسة واستراتيجية دولة، وليس لنا خيار فى تعديلها!. عدت من مراسم وداعها، لأصحب السيد الرئيس الأسبق، إلى المطار، للعودة إلى القاهرة، وفى الطريق، قال لى سيادته، أنها استغرقت 10 دقائق من لقائهما، للحديث عن الأقصر، وعظمتها، وحضارتها، التى ألهمت البشرية، منذ فجر التاريخ، مضيفاً أنه كان من الممكن أن يقابلها فى القاهرة، ولكنه قصد البقاء فى الأقصر، وعقد اللقاء بها، لتتعرف، بنفسها، على الحضارة المصرية العظيمة. قد نتفق على وجود ثوابت فى السياسة الخارجية الأمريكية، ولكن هناك، أيضاً، متغيرات، منها أول تصريحات الرئيس الأمريكى ترامب، فى خطابه، يوم تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، عندما قال: إن أمريكا لن تفرض ديمقراطيتها على دول العالم، ولن تفرض آراء، أو سياسات محددة، على دول الشرق الأوسط. وهكذا تعدل الطريق الذى سلكته الولايات المتحدة الأمريكية، من قبل، لتطبيق تصورها للديمقراطية فى الشرق الأوسط، وهو ما يمكنكم مراجعته على الرابط التالي، ومع ذلك، يجب أن نتحلى باليقظة، لأى مخططات مستقبلية، تهدف للنيل من مصر، ومن المنطقة.