شخصيات فى حياتى (7).. مادلين أولبرايت
هى أول سيدة تتولى منصب وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، وكان ذلك فى عهد الرئيس الأمريكى الأسبق، بيل كلينتون، خلال الفترة من عام 1997 حتى 2001… اسمها الحقيقى هو مارى أناكوربولوفا، إذ تنحدر من أصول تشيكوسلوفاكية، قبل أن تهاجر عائلتها للولايات المتحدة الأمريكية، وتستوطن بها. لقد أعطتنى هذه السيدة درسا فى حياتي، وهو ألا أحكم بالمظاهر الخارجية على أى شخص كان.
فإبان شغلها لمنصب وزير الخارجية، انحسرت علاقتى بها بمتابعتها فى وسائل الإعلام، والحقيقة أننى لم أشعر بأحقيتها لهذا المنصب الرفيع، ولم أتقبل أداءها خلال تلك الفترة، إلى أن قمت بزيارة للولايات المتحدة الأمريكية، فى عام 2014، وكان الرئيس أوباما، حينها يقضى آخر أيامه الرئاسية فى البيت الأبيض، مع وزيرة خارجيته، آنذاك، هيلارى كلينتون.
كان أوباما يعتمد على فكرة مجموعات Think Tanks، إحداها للبيت الأبيض، وأخرى لوزارة الخارجية، وغيرها لوكالة المخابرات الأمريكية (CIA). وكان توقيت زيارتى تلك، يوافق الزيارة الأولى المرتقبة للرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى نيويورك، للمشاركة فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد انتخابه رئيسا للجمهورية.
وخلال زيارتى قمت بعقد لقاءات مع نحو عشرة من أعضاء الكونجرس الأمريكي، منهم على سبيل المثال، من النواب الجمهوريين دانكن هانتر، جو ويلسون، وكاى جرانجر، ومن النواب الديمقراطيين دوتش روبرسبرجر. وطلبت، كذلك، عقد لقاء مع إحدى مجموعات Think Tanks فى واشنطن، سواء تلك التابعة للمخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، أو التابعة لوزارة الخارجية، أو التابعة لوزارة الدفاع (البنتاجون)، أو مجموعة البيت الأبيض الخاصة بالرئيس أوباما. وكانت المفاجأة فى تحديد موعد مع مجموعة الرئيس الأمريكى أوباما، لمدة ساعة ونصف الساعة، يخصص نصف الوقت لزيارة المبنى والتعرف على مكوناته، والنصف الآخر للقاء مجموعة البيت الأبيض برئاسة السيدة مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية السابقة.
وحان موعد لقاء السيدة مادلين أولبرايت، فبدأ الاجتماع بتقديم أعضاء المجموعة، وعددهم 17 فردا، من مختلف المجالات، منهم الخبراء العسكريون، وخبراء الأمن القومي، والسياسيون وخبراء القانون، ولم أندهش لوجود دكتور لعلم النفس بينهم. بعد التقديم أضافت السيدة أولبرايت أنها ستتحدث لمدة 15 دقيقة، وسأتحدث أنا لمدة 15 دقيقة أخري، وتخصص الـ15 دقيقة الأخيرة للنقاش مع باقى الأعضاء. وبدأت حديثها بأن الأسابيع الماضية كانت من أهم فترات المجموعة، إذ كلفهم الرئيس أوباما بأهم موضوعين يخصان السياسة الخارجية الأمريكية فى الفترة اللاحقة، اللذين ستتخذ الولايات المتحدة عددا من القرارات المصيرية بشأنهما. الموضوع الأول ما يحدث فى البلقان، من روسيا، تجاه شبه جزيرة القرم وأوكرانيا، أما الثانى فكان سؤالا مباشرا من الرئيس أوباما لتوصيف ما حدث فى مصر تحديدا، هل كان انقلابا عسكريا، قام به الرئيس السيسى لإزاحة الإخوان من السلطة؟ أم كانت ثورة شعبية، أيدها وساندها الجيش؟ مضيفة أن اعتبار ما حدث فى مصر انقلابا عسكريا، سيكون له تبعات خطيرة طبقا للدستور الأمريكي.
واستطردت قائلة إنها بدأت بحثها فى الأمر المصري، بالاطلاع على الورقة البحثية التى قدمها الرئيس السيسي، عندما كان طالبا فى الولايات المتحدة، فوجدتها دراسة عن الديمقراطية فى دول العالم الثالث. ثم أضافت أنها تابعت أول قرارات الرئيس السيسى بعد توليه الحكم برفع الدعم عن المحروقات وهو القرار الذى تأخر لأكثر من 40 عاما، خشية المعارضة الجماهيرية، مما أكد لها أنه «Reformer»، أى إصلاحي، وكررت الكلمة أكثر من مرة، فلو كان قادما على رأس انقلاب عسكرى لفعل ما يفعله الانقلابيون، بمحاولة استمالة الشعب، بقرارات شعبوية. والأهم من ذلك أن الشعب وافقه على قراراته رغم صعوبتها، مما أكد لها وللمجموعة أن ما حدث فى مصر ثورة شعبية، انحاز لها الجيش، وهو ما رفعته لاحقا فى تقريرها النهائى للرئيس أوباما.
عندما حان دورى فى الكلام كنت قد أيقنت أن هذه المجموعة على علم تام بتفاصيل ما حدث، فأضفت كلمة واحدة، مفاداها أنه حتى فى أعتى الديمقراطيات، يتودد الرئيس إلى الشعب خلال فترة رئاسته الأولى بقرارات شعبية، تضمن إعادة انتخابه لفترة رئاسية جديدة، يتخذ خلالها القرارات الصعبة، قبيل رحيله عن الحكم. أما الرئيس السيسى فيهدف إلى الإصلاح منذ اليوم الأول، غير آبه بشعبيته، لإيمانه بأن قراراته تصب فى مصلحة البلاد، حتى وإن لم يشعر العامة بأهميتها على المدى القصير.
وانتهى اللقاء الرسمي، وتقدمنا نحو طاولة جانبية، رُصت عليها الحلوى الأمريكية الشهيرة، الدونتس، وفى خلال خمس دقائق، وبينما نتناول القهوة، تحدثت السيدة أولبرايت بحرية أكبر، بعيدا عن الرسميات، فبدأت حديثها بدعابة عن أن تلك الحلوي، من ذلك المتجر الخاص، هى أحب الأنواع إليها، والسبب الرئيسى فى إفساد كل محاولات الحميات الغذائية التى تتبعها، ثم استطردت قائلة إنها استعدت لاجتماعنا المشترك، بالقراءة عن تاريخى العملي، سواء فى الحياة العسكرية أو المدنية، وعلمت أننى كنت أول محافظ للأقصر، متمنية أن تزور مصر يوما، بغرض السياحة، لمشاهدة آثارها، التى درستها منذ الصغر، كمهد الحضارة، وفجر التاريخ، وأن تقوم برحلة نيلية، التى سمعت عنها من أصدقائها، كأجمل الرحلات.
واختتمت السيدة أولبرايت، ذلك الحديث الجانبي، قائلة إن بلادكم عظيمة، وتستحق أن تقود العالم العربي، والإسلامي، فلديكم جميع مؤهلات القيادة، ولكن ينقصكم خطة واضحة للإصلاح الاقتصادى والسياسي. والحقيقة أن تلك الدقائق الخمس، التى تلت مناقشة الموقف المصري، خلال الاجتماع الرسمي، كانت كفيلة بأن تجعلنى أُعيد النظر فى رأيى عن هذه السيدة، بل أغيره تماما، دون غضاضة، لأجزم بأنها استحقت أن تكون أول سيدة تتولى هذا المنصب، فى الولايات المتحدة الأمريكية، بعدما لاحظت ذكاءها الواضح، وقدرتها على التركيز، والتحليل. وإذا تحدثنا خارج الإطار الرسمي، فهى إنسانة ودودة للغاية، تشعر معها وكأنك قابلتها منذ فترة طويلة. وتبادلنا كروت التعارف، ولكن لم تتح لنا الظروف أن نتواصل بعد هذا اللقاء.