شخصيات فى حياتى(9).. الفريق صلاح الحلبى
مهما منحتنا الحياة من مهارات، وخبرات، ونجاحات… يظل للحظ دور، ومكان، فى حياة الإنسان، لا يمكن أن ينكره. ورغم عدم تمام اقتناعى بالمثل العامى الدارج «قيراط حظ ولا فدان شطارة» لما فيه من تعد على قيم العمل والاجتهاد، إلا أننى أقر بأن الحظ منحني، فى يوم من الأيام، واحدة من أجمل، وأهم الفرص، فى حياتي، عندما عُينت مدرساً فى معهد المشاة – أعرق المعاهد العسكرية فى مصر ـ وفيه تزاملت مع نخبة من ألمع ضباط القوات المسلحة المصرية، وفخر رجالها، فكان منهم المقدم صلاح الحلبي، والمقدم محمد عادل عبدالله، والمقدم إبراهيم الحفناوي، والعقيد طلعت مسلم.
منحنى الحظ فرصة أن أكون مع كل هؤلاء العظماء، للتجهيز لتدريس مشروعات تدريب قادة الكتائب فى القوات المسلحة، لمدة يومين أو ثلاثة أيام أسبوعياً، كان مقدار استفادتى خلال تلك الأيام، أكثر بكثير من كل ما تعلمته فى حياتي، تحت قيادة المقدم صلاح الحلبي، بكل ما حاباه الله به من الذكاء، والعلم، والفطنة، والحكمة، والهدوء، الذى كنا نشبهه بهدوء وصفاء مياه البحر، فى شهر سبتمبر.
لقد تولى، صلاح الحلبي، جميع الوظائف القيادية فى القوات المسلحة، بدءاً من قائد كتيبة، وقائد لواء، وفرقة، حتى وصل إلى منصب قائد الجيش الثالث الميداني. تخلل هذه الفترات توليه منصب مسئول التدريب فى وزارة الدفاع، وهو منصب لا يتولاه إلا المتميزون، وأصحاب الخبرة من أبناء القوات المسلحة، كما تولى منصب رئيس فرع التخطيط، فى هيئة عمليات القوات المسلحة، تلك الوظيفة التى تعد العقل المفكر للتخطيط الاستراتيجى للقوات المسلحة. وكان آخر المناصب العسكرية التى تدرج إليها سيادته، هى مساعد وزير الدفاع، عندما تم اختياره، اعتباراً من أول يناير 1991، لقيادة القوات المصرية، المشاركة فى حرب الخليج الثانية، لتحرير الكويت، والتى أطلق عليها فى أروقة القوات المسلحة اسماً كودياً، هو قوات العروبة 90.
تم تعيين اللواء كمال عامر، الرئيس الحالى للجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب، نائباً للواء صلاح الحلبي، وكانت القوات المصرية هى ثانى أكبر قوة عسكرية، فى التحالف، بعد الولايات المتحدة الأمريكية، بقوة قوامها نحو أربعين ألف مقاتل، وكان الأمير السعودي، الفريق خالد بن سلطان، قائداً للقوات العربية المشتركة فى هذه العملية، والذى أعرفه شخصياً منذ تزاملنا فى دراسة دبلومة إدارة الأعمال، فى الولايات المتحدة الأمريكية، وكان حينها برتبة العقيد.
كان اختيار القيادة العامة للقوات المسلحة، الفريق صلاح الحلبي، لقيادة القوات المصرية، فى عملية تحرير الكويت، سليماً للغاية، وقائماً على أسباب موضوعية، له علاقة بشخصيته التى تتمتع بالهدوء والذكاء، فضلاً عن مؤهلاته القيادية، وخبرته الميدانية فى القوات المسلحة المصرية. لم تكن مهمته فى منطقة حفر الباطن، مقر قيادته بالسعودية، باليسيرة، فقيادة قوات قتالية بهذا الحجم، وبالتنسيق مع قوات مقاتلة، من عدة دول عربية وأجنبية، وصل عددها إلى 33 دولة، ليست بالمهمة الهينة، إلا أن قيادته لها، بمعاونة عدد من القادة المتميزين، كان لها عظيم الأثر فى نجاحها؛ فإلى جانب نائبه اللواء كمال عامر، كان معه العميد يحيى علوان حرب، قائد الفرقة الثالثة مشاة ميكانيكي، والعميد نبيل الرشيدي، قائد الفرقة الرابعة المدرعة المصرية.
وقد سجل التاريخ، أنه عند بدء مرحلة التخطيط، فإن قائد القوات السورية اعتذر عن عدم المشاركة بقواته، ضمن الأعمال القتالية للقوات المشتركة، وطلب وضع قواته فى الاحتياط، بدعوى أن سوريا والعراق دولتا جوار، وأن أى قتال بينهما من شأنه خلق توتر فى المستقبل!
كما سجل، فى صفحات مضيئة، أن اللواء صلاح الحلبي، قاد قواته بمنتهى الشجاعة، والبسالة، والحكمة، حتى تمكنت من رفع علم الكويت، مرة أخرى، فوق أراضيها، وعادت لها سيادتها، مرة أخرى، وعاد إليها أميرها، وبرلمانها، وحكومتها… وبعد انتهاء حرب تحرير الكويت، تم تعيين الفريق صلاح الحلبي، رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة المصرية، وتولى اللواء كمال عامر القيادة من بعده، حتى عودة القوات المصرية الظافرة إلى أرض الوطن، لتحتفل بهم مصر، قيادة وشعباً، فى حفل مهيب، بقيادة الجيش الثالث الميداني. لتثبت مصر، كدأبها، أنها السند القوى للأمة العربية بأكملها، برجالها الأوفياء، وجيشها العظيم.
ومرة ثانية، أسعدنى الحظ، للعمل تحت قيادة الفريق صلاح الحلبي، وهو رئيس للأركان، وأنا مدير لإدارة الشئون المعنوية، فشهدت إدارة الشئون المعنوية تطوراً كبيراً فى عهده، لمساندته الدائمة للأفكار الجديدة، بعدما يستمع إليها جيداً، ويفكر فيها بهدوء، قبل أن يتخذ قراره بالموافقة.
وعندما وافته المنية، فى أكتوبر 2014، شارك فى مراسم الجنازة، الرئيس عبدالفتاح السيسي، تقديراً من سيادته، ومن الدولة، والقوات المسلحة المصرية، لجهود وعطاء هذا الرجل. وتوافد العديد من مسئولى الدول العربية، لتقديم واجب العزاء، وكان منهم سفير دولة الكويت بالقاهرة، تقديراً من بلاده لدور هذا الرجل فى حرب التحرير.
إن مصر تعتز برجالها العظماء، من أمثال الفريق صلاح الحلبي، الذى قدم فكره، وجهده، فى تطوير القوات المسلحة، وقام هو، ورجال القوات المسلحة المصرية، بالدفاع عن استقلال الدول العربية.. هذه هى مصر.. وهذا هو جيشها العظيم.. والفريق صلاح الحلبى نموذج مشرف من أبطاله الحقيقيين.