المصري اليوم

اثيوبيا إلى اين بسبب مايحدث في تيجراي ؟

سمير فرج يكتب: إثيوبيا إلى أين بسبب ما يحدث في تيجراي؟

بدأت الأمور تتعقد أكثر وأكثر فى إثيوبيا بعد النزاع الذى بدأت أحداثه يوم 4 نوفمبر الماضى وذلك عندما أعلن آبى أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، الحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 2019، بأنه أصدر أوامره للجيش الإثيوبى بالتقدم لشن عملية عسكرية ضد إقليم تيجراى، أحد الأقاليم التسعة فى إثيوبيا والذى كان يسيطر فى عقود سابقة على الأوضاع فى إثيوبيا، رغم أنه لا يشكل أكثر من 6% من تعداد السكان، وبصعود آبى أحمد للسلطة عام 2018 المنتمى لعرقيات الأروميا التى تمثل 34% من السكان، بدأ فى إقصاء المسؤولين من تيجراى وانفرد بالسلطة، واشتعل الموقف أكثر وأكثر عندما أعلن آبى أحمد تأجيل الانتخابات متعللاً بوباء الكورونا الذى أكد البعض أنه اتخذ ذلك القرار لتخوفه من خسارة هذه الانتخابات، لذلك اعتبر إقليم تيجراى أن آبى أحمد أصبح رئيس وزراء غير شرعى بسبب انتهاء مدة ولايته، فقام حاكم تيجراى بتحدى الأمر بحظر الانتخابات وأجرى تصويتاً داخلياً فى تيجراى.. ومن هنا قام آبى أحمد ويؤيده البرلمان الإثيوبى بعزل رئيس إقليم تيجراى وبعدها بدأ الجيش الإثيوبى عملياته العسكرية ضد تيجراى للقضاء على قادة الإقليم هناك، وبعدها تصاعدت الأمور بسقوط المئات من الجرحى والقتلى ونزوح أكثر من 40 ألف لاجئ من تيجراى إلى السودان هرباً من أعمال القتال وتفاقم وضع هؤلاء اللاجئين داخل السودان بسبب عدم قدرة السودان على تقديم الدعم اللوجيستى لهؤلاء اللاجئين.

ولقد قام آبى أحمد بتعطيل شبكات الإنترنت وتم عزل إثيوبيا تماماً عن العالم الخارجى، ولم يعد هناك أى معلومات إلا التى تصدر من الإعلام الإثيوبى حتى إن العديد من المحللين أكدوا أن إعلان رئيس الوزراء آبى أحمد عن انتصاره فى القتال ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى أمر سابق لأوانه، مشددين على أن الحرب فى إثيوبيا لم تنته بعد، وأن تداعيات ما يحدث فى تيجراى أمر خطير للغاية، خصوصاً أن سيطرة الجيش الإثيوبى على «ميكيلى» عاصمة تيجراى ستؤدى إلى زعزعة الاستقرار لأسباب عديدة، أولها أن ما حدث فى تيجراى سوف يزيد من الصراعات العرقية فى كل أنحاء إثيوبيا فى التسعة أقاليم والتى تحتوى على 80 مجموعة عرقية، منها تيجراى وعفرو وامهره وأروميا واجادين وبنى شنقول وجامبيلا وهرارى، فضلاً عن وجود 22 لهجة محلية أشهرها السامية والكوشيه والأموثيه ولغات النيل والصحراء الكبرى.. كل هذه الأمور سوف تؤدى إلى تفاعل هذه الأقليات لمحاولة الاستقلال عن إثيوبيا مستقبلاً. وكنت قد ذكرت فى مقال سابق أن إثيوبيا قد تصبح البلقان الجديدة فى إفريقيا أى أن تحاول كل أقلية أن تستقل بنفسها مثلما حدث فى شبه جزيرة البلقان، حيث استقلت كل هذه القوميات لتصبح 11 دولة فيما بعد وهى: بلغاريا وصربيا وكرواتيا وألبانيا والجبل الأسود والبوسنة والهرسك وكوسوفو وسلوفينيا.

أما السبب الثانى فى استمرار ذلك الصراع فهو أن هناك شعورًا لدى سكان إقليم تيجراى بأنهم منبوذون من الدولة ومن جيرانهم وخاصة إريتريا التى لم تنس أن إقليم تيجراى كان رأس الحربة فى الصراع الذى استمر بين الدولتين طيلة 20 عاماً.. أما السبب الثالث فهو أن هذا الصراع المسلح الذى حدث أكد الهدف الذى أعلنه آبى أحمد من قبل وهو الإصلاح السياسى للبلاد الذى لم يكن إلا ستاراً لتعزيز مركزيته فى السلطة على كل أقاليم البلاد وأنه بذلك العمل قد أظهر العين الحمراء لكل الأقاليم وأن من سيحاول الاستقلال سيكون جزاؤه الحرب فوراً.

وعلى المستوى العالمى، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإيقاف مساعداتها لإثيوبيا بـ 100 مليون دولار، وجاءت الضربة القوية من الاتحاد الأوروبى عندما أعلن هذا الأسبوع أنه سوف يعلق دفع حوالى 90 مليون يورو من مساعدات الميزانية المخصصة لإثيوبيا نتيجة النزاع فى منطقة تيجراى، حيث طالب الاتحاد الأوروبى بوقف القتال والوصول إلى حل سياسى للنزاع.. الأمر الذى رفضه آبى أحمد حتى إنه رفض تدخل الاتحاد الإفريقى عندما أرسل مجموعة من 4 من زعماء إفريقيا السابقين للتدخل لحل المشكلة سياسياً، وهكذا بدأ آبى أحمد فى خسارة القوى العالمية بدءاً من الولايات المتحدة ثم الاتحاد الأوروبى والاتحاد الإفريقى بإصراره الدائم على استمرار الحل العسكرى لإنهاء هذا النزاع، وبالطبع فإن ذلك القرار سيكون له تأثير واضح على الاقتصاد الإثيوبى حيث إن إثيوبيا دولة فقيرة وتعتمد بشدة على هذه المساعدات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى ولن يتبقى لها مستقبلاً إلا المساعدات من الصين وإسرائيل التى من الممكن أن تستغل حاجتها للأموال وتطلب منها مقابلًا فى تحالفات سياسية وعسكرية.

ولقد ذكرت صحيفة التايمز البريطانية أن ديفيد ستاينمان، الاقتصادى الأمريكى الذى رشح لنيل جائزة نوبل للسلام عام 2019، قد اتهم رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس ادهانوم بالتورط فى جرائم إبادة جماعية فى إثيوبيا، وأشارت الصحيفة إلى أن ستاينمان قدم شكوى للمحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى مطالباً بمحاكمة ذلك المسؤول من أصل إثيوبى، كذلك أفادت الأنباء بتوتر الموقف على الحدود الإثيوبية- السودانية مؤخراً وقيام القوات الإثيوبية بإطلاق النار على قوات سودانية هناك داخل الأراضى السودانية التى تأوى 40 ألف لاجئ من تيجراى فى ظروف صعبة هناك، وهكذا نرى أن الأمور حاليا تسير فى إثيوبيا من سيئ الى أسوأ، ورغم ادعاءات آبى أحمد بالعمل لتحقيق الديمقراطية والاستقرار لبلاده خاصة أنه اتخذ قراره ببناء سد النهضة ووصفه أنه مشروع قومى يحقق الأمل والرخاء لشعب إثيوبيا، وبعد كل ذلك هل يبدأ آبى أحمد فى الفترة القادمة محاولة الوصول إلى حل سياسى حول مشكلة سد النهضة لإنهاء أى خلافات مع السودان الجار اللصيق ومع مصر الدولة القوية فى إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، هذا ما سوف تحدده إثيوبيا من تصرفاتها خلال الفترة القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى