كورونا وعلم إدارة الازمات
كورونا … وعلم إدارة الأزمات
أصبح علم إدارة الأزمات، Crisis Management، أحد أهم العلوم، في عصرنا الحديث؛ فالأزمات لا تستثني أحد؛ تتعرض لها الدول، باختلاف مستويات تقدمها، كما تتعرض لها الهيئات، والمؤسسات، والشركات، وحتى الأفراد. تتعدد أنواع الأزمات لتشمل السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والطبيعية، والأمنية، كما يتباين تصنيفها، جغرافياً، سواء عالمية، أو إقليمية، أو محلية، وقد تصنف كأزمات عدائية، أو غير عدائية، كما يختلف تصنيفها، من حيث الحجم، إلى أزمات بسيطة، أو متوسطة، أو كبرى، ذات أبعاد مختلفة، وآثار ممتدة.
لقد ظهر مصطلح “علم إدارة الأزمات”، لأول مرة، عام 1962، وصار، منذ ذلك الحين، يدرس، كعلم استراتيجي، في جميع الكليات، والمعاهد، المعنية بالأمن القومي، وأصبح له دورات متخصصة، باسم “إدارة الأزمات والتفاوض”، وذلك بعد النجاح في إدارة واحدة من أهم أزمات التاريخ المعاصر، بطريقة علمية، وهي الأزمة المعروفة باسم “أزمة خليج الخنازير”، أو “أزمة الصواريخ الكوبية”. بدأت القصة عام 62، عندما حدث انقلاب عسكري، في كوبا، أطاح بالرئيس باتيستا، ووصول فيدل كاسترو، إلى السلطة، صاحب الفكر، والتوجه، الشيوعي، والذي قام، على الفور، بتوقيع معاهدة صداقة، مع الاتحاد السوفيتي، حينها، لتفاجأ الولايات المتحدة الأمريكية، ذات يوم، بأن السوفييت نصبوا صواريخهم في كوبا، التي تبعد 90 ميلاً عن السواحل الأمريكية، في فلوريدا، بما يشكل تهديداً، مباشراً، للأمن القومي الأمريكي.
بدأت الأزمة يوم 16 أكتوبر 1962، وانتهت، رسمياً، يوم 20 نوفمبر، من نفس العام، بعدما كادت أن تشعل حرباً عالمية ثالثة. أصدر الرئيس الأمريكي، آنذاك، جون كيندي، قراره بتشكيل فريق إدارة الأزمة، Crisis Management Team، معلناً نفسه متحدثاً رسمياً، ووحيداً، عنها، لاقتراح عدة سيناريوهات لإدارة الأزمة، كما تم تشكيل مجموعة للتفاوض مع الاتحاد السوفييتي، وهو ما أدى، في النهاية، للوصول إلى مخرج لهذه الأزمة، مفاداه سحب، الاتحاد السوفيتي، لصواريخه من كوبا، مقابل إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن سحب صواريخها، من قاعدة إنجرليك، في تركيا، علماً بأنه لم يكن هناك صواريخ أمريكية في القاعدة، إنما تم الاتفاق على ذلك الإعلان، لحفظ ماء وجه الاتحاد السوفيتي، أمام العالم، وأمام شعبه.
واليوم، ومع بداية ظهور فيروس كورونا، في الصين، ومع، مجرد، احتمالية وصوله إلى مصر، أصدر السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، توجيهاته باتباع النهج العلمي، وتشكيل فريق، لإدارة هذه الأزمة، برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، وعضوية الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة، ورؤساء، وممثلي، باقي الجهات المعنية، ومنهم مدير إدارة الخدمات الطبية بالقوات المسلحة. تلا ذلك إصدار رئيس مجلس الوزراء للتعليمات التنفيذية لإدارة الأزمة، والتي بدأت بإنشاء مركز لمتابعتها، بمركز دعم واتخاذ القرار، التابع لمجلس الوزراء، ومركز، آخر، في وزارة الصحة والسكان، وهم ما وضع مصر على أهبة الاستعداد، لحسن التعامل مع الأزمة منذ بدايتها.
تعتبر قواعد البيانات الأولية أهم مكونات مراكز إدارة الأزمات، ومثال لذلك، فإن مركز وزارة الصحة، تشمل بياناته الأساسية، حصر بأعداد المستشفيات، والمراكز الطبية، وأعداد الأطباء، وأفراد التمريض، وسيارات الإسعاف، وخريطة الوقاية الصحية في مصر، وغيرهم من البيانات الأساسية، وهو ما استدعى اختيار عناصر، هذا المركز، من ممثلي عدد من الوزارات، مثل الدفاع، والداخلية، والتنمية المحلية، والتعليم العالي، والتربية والتعليم، والري، والإسكان، إضافة، بالطبع، إلى ممثلي وزارة الصحة، وغيرهم من الوزارات المعنية بوضع خطة التصدي لانتشار فيروس كورونا.
ومع تأسيسه، أطلق مركز إدارة الأزمة، في وزارة الصحة، حملة إعلامية، واسعة الانتشار، لتوعية المواطنين، بطبيعة الفيروس، وطرق الوقاية منه، والحد من انتشاره، في ظل عدم اكتشاف علاج، أو لقاح، للقضاء عليه. كما تم التوجيه بالإجراءات الواجب اتباعها في حالة الاشتباه بالإصابة، مع تحديد مستشفيات، ومناطق العزل الطبي، المنوط بها استقبال الحالات المصابة، وتوفير المطالب الطبية، والعلاجية، اللازمة للتصدي لذلك الفيروس. ووفقاً للتقديرات المتوقعة، قام المركز بوضع سيناريوهات الأزمة، والبدائل المتاحة لكل منها، بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية، مع تحديد القرارات اللازم اتخاذها، عند كل مرحلة، طبقاً للسيناريو المعلن، مثل، تعليق الدراسة، والإجراءات الاحترازية على المنافذ المصرية الجوية، والبحرية، والبرية، وحتى تعليق حركة الطيران.
وفي ظل تفاقم الأزمة عالمياً، واقتصار الإصابة، في مصر، على بعض الحالات، حينها، صدر قرار، استباقي، بسفر وزيرة الصحة، إلى الصين، للتأكيد على مساندة الإدارة المصرية للصين، من ناحية، وللتعرف على الخبرة الصينية في التعامل مع الأزمة، من ناحية أخرى، وهو القرار الذي لم يعي أبعاده، العديد من الناس، إلا أن الأيام أثبتت صوابه، وحكمته، عندما سارعت إيطاليا في طلب العون من الصين، فور تفاقم الأزمة بها، وفي ظل تخلي الاتحاد الأوروبي عن مساعدتها. كل تلك الإجراءات تم اتخاذها في مركز إدارة الأزمة، بوزارة الصحة، وساندها السيد أسامة هيكل، وزير الدولة للإعلام، بعقد أول مؤتمر صحفي، بحضور وزيرة الصحة، ووزير الآثار والسياحة، من مبنى وزارة الإعلام، الجديد، كعمل متميز، لضمان دقة المعلومات، ووجود مصدر إعلامي، موحد، للتعامل مع هذه الأزمة.
بدأت عمليات التنفيذ، بالتنسيق بين وزارة الصحة، وجميع الوزارات المعنية، خاصة وزارة التنمية المحلية، التي تتابع، مباشرة، مع السادة المحافظين، على تطبيق تعليمات الوقاية، والخطوات الواجب اتباعها فور اكتشاف حالات إصابة بالفيروس، في نطاق عملهم، وكان من أوضح صور التنسيق، استخدام طائرات القوات الجوية المصرية، لنقل حالات الإصابة، التي تم اكتشافها في محافظة الأقصر، إلى محافظة مطروح، حيث الحجر الصحي، بمستشفى النجيلة، وما تلاها من إجراءات وقائية للحالات المخالطة للمصابين، ومتابعة حالة السياح في مدينة الأقصر، وغيرها من المدن السياحية.
ومع تطور الموقف، عالمياً، ومحلياً، وإعلان منظمة الصحة العالمية، لفيروس كورونا، كوباء، تم إصدار عدد من القرارات، المعدة سلفاً، وفقاً للتصورات الموضوعة عن تطور الموقف، للتصدي لانتشار الوباء، في مصر، بدأت بقرار السيد رئيس الجمهورية بتعليق الدراسة لمدة أسبوعين، وما أعقبه من مؤتمر صحفي، وضح خلاله السيد رئيس مجلس الوزراء، والوزراء المعنيين، حزمة من الخطوات الواجب اتباعها، خلال تلك الفترة. إضافة إلى وضع تصور لتخفيض أعداد العاملين في الأجهزة الحكومية، ومع صدور تلك السطور، يدخل في حيز التنفيذ، قرار رئيس مجلس الوزراء، بتعليق حركة الطيران، حتى 31 مارس الجاري.
منذ بداية الأزمة، التزمت الإدارة المصرية بأعلى درجات الشفافية، في عرض المعلومات والبيانات، المتعلقة بها، وأدارتها بنهج علمي، ساعد بشكل كبير، في السيطرة على الموقف، حتى الآن، وهو ما أشادت به، علناً، منظمة الصحة العالمية، وبقا على الشعب إدراك مسئولياته، ودوره المحوري، في التعاون مع الدولة، لإنجاح جهودها، بالحد من انتشار الوباء، وهو ما أراهن عليه، فالمواطن المصري، أثبت، في مختلف المواقف، قدرته على التصدي لأي أزمة، بحكمته، وسلامة بصيرته.
Email: sfarag.media@outlook.com
1