هل المقعد الدائم لمصر في مجلس الأمن … بعيد المنال؟
تبدأ الأمم المتحدة، في الفترة القادمة، الاستعداد لاختيار ممثل قارة أفريقيا، ليحتل المقعد الدائم في مجلس الأمن. وفي اعتقادي، أن مصر هي أكثر الدول المؤهلة لشغل هذا المقعد، عن قارة أفريقيا، وذلك لاعتبارات عديدة، لعل أهمها أن مصر هي أول من فكرت، وبادرت بإنشاء منظمة الوحدة الأفريقية، في عهد الرئيس جمال عبد الناصر … وأن مصر هي أكثر الدول الداعمة لحركات التحرر في أفريقيا في الفترات الماضية … وأن مصر ساندت نيجيريا عند تعرضها لحركات انفصالية، في إقليم بيافرا، ووصلت مساندتها إلى حد التدخل العسكري بالقوات الجوية المصرية، لمعاونة الحكومة النيجيرية في التصدي للحركات الانفصالية، ومن ثم المحافظة على وحدة نيجيريا، المستمرة حتى الآن … وأن مصر قد ساعدت العديد من الدول الأفريقية، في فترات عديدة، على تنفيذ مشروعاتهم القومية الكبرى، عن طريق الشركات المصرية، مثل شركة المقاولون العرب … كما ساعدت مصر معظم الدول الأفريقية في نهضتهم الزراعية، بمشاركة مهندسي الزراعة والري المصريين … إضافة إلى جهود شركة النصر للاستيراد والتصدير، التي بدأت في عهد الرئيس عبد الناصر، وانتشرت فروعها في أنحاء القارة الأفريقية، لتعمل على تقوية الروابط التجارية بين مصر والدول الأفريقية.
كما امتدت العلاقات بين مصر والدول الأفريقية لتشمل الدعم العسكري المصري، لمعظم هذه الدول، في مجالات التدريب العسكري، في المعاهد العسكرية المصرية، والكليات الحربية، وإنشاء العديد من الوحدات الخاصة لهذه الدول، فضلاً عن الإمداد بالأسلحة والذخائر للقوات العسكرية لهذه الدول، بما في ذلك الزي العسكري، الذي كانت تنفذه المصانع الحربية المصرية.
واليوم، ونحن على أبواب فترة جديدة، أراه لزاماً علينا العودة إلى أفريقيا، بغرض استعادة الأصدقاء القدامى، الذين برزوا واشتدت أواصر العلاقات معهم إبان حكم الرئيس عبد الناصر، ثم ما لبثت تلك العلاقات أن شهدت فتوراً، وإهمالاً في فترات لاحقة.
وفي سبيلنا إلى استعادة تلك القوة في العلاقات، أرى أن أول ما يجب علينا فعله، هو إنشاء وزارة دولة للشئون الخارجية، يكون على رأس أولوياتها إدارة العلاقات الأفريقية، تماماً مثلما حدث من قبل، عنما تولى الدكتور بطرس غالي تلك الحقيبة الوزارية، على أن يبدأ الوزير الجديد في الاتصال بكل الدول الأفريقية، عارضاً ترشيح مصر للمقعد الدائم في مجلس الأمن عن قارة أفريقيا، مدعوماً بخطة متكاملة للتعاون مع الدول الأفريقية، لضمان تأييدهم لمصر، خاصة في ظل رغبة دولة جنوب أفريقيا على المنافسة على ذلك المقعد في مجلس الأمن، وكذلك نيجيريا، التي رأت أن تجرب حظها هي الأخرى. وفي حين قد تبرز دول أخرى، إلا أن هذه الدول الثلاث، مصر، وجنوب أفريقيا، ونيجيريا، هم من أعلنوا بالفعل عن اهتمامهم، ورغبتهم في الترشحلشغل هذا المقعد في مجلس الأمن.
ومن هذا المنطلق، يجب أن توضع الآن، خطة متكاملة في وزارة الخارجية المصرية، يتم التصديق عليها من مجلس الأمن القومي المصري، لتحقيق هذا الهدف. ويجب أن تشمل هذه الخطة الدور المنوط به كل وزارة، في الحكومة المصرية، لتحقيق أكبر تقارب مع الدول الأفريقية … في إطار “الخطة المتكاملة” … كما يجب أن تقدم وزارة الخارجية المصرية، كافة الدعم اللازم للمنظمات المصرية، التي تتعاون مع الدول الأفريقية الصديقة، لإبراز الدور المصري في هذه الدول.
فضلاً عن ذلك، يجدر بمندوب مصر في الأمم المتحدة، في موقعه الحالي كممثل غير دائم بمجلس الأمن، أن يصب تركيزه على حل المشاكل الأفريقية، وخاصة تلك القائمة منذ عشرات السنين، سواء المشاكلات العرقية، أو مشكلات الحدود،وهو ما يعني أن تقدم كل وزارة مقترحاتها، للعمل في هذا الإطار … فوزارةالتربية والتعليم، ووزارة التعليم العالي، على سبيل المثال، يجب أن يعملا على توفير عدد، أو نسبة محددة، لقبول الطلاب الأفارقة في المؤسسات التعليمية المصرية، والإعلان عن هذه الأرقام، بالتعاون مع وزارة الخارجية المصرية، أو وزارة الدولة للشئون الخارجية. علماً بأن هؤلاء الطلاب، سيمثلون خير سفراء لمصر عند عودتهم إلى بلادهم. وهكذا الحال بالنسبة لجميع الوزارات المصرية، على كل أن يضع خطته، وآليات تنفيذها، التي تخدم التوجه العام للدولة نحو أفريقيا. ولا يفوتنا هنا التركيز على الدور المحوري لوزارة الصناعة والتجارة، لتأمين كافة الاحتياجات الصناعية لتلك الدول الأفريقية.
أما على المستوى الشعبي، فأعتقد أن مجلس النواب الحالي، سيكون له دوراً كبيراً، وهاماً في هذا الشأن. فالبرلمان المصري المنتخب، بأعلى نسبة شفافية في تاريخه، شهدت بها المنظمات المحلية والدولية على حد سواء، سيكون موضع اهتمام، وتقدير، واحترام، برلمانات الدول الأفريقية. خاصة بوجود اللواء حاتم باشات على رأس لجنة الشئون الأفريقية بمجلس النواب، وهو من خيرة رجال القوات المسلحة المصرية، وله خبرات عديدة في مجال العلاقات الأفريقية، قبل انتخابه لعضوية البرلمان، وهو ما سيمكنه من أداء دوره باقتدار وإتقان. وإن كنت له ناصحاً، فنصيحتي له أن يبدأ، في الحال، بفتح قنوات اتصال مباشر مع برلمانات الدول الأفريقية، بل والترتيب لزيارة تلك البرلمانات، بصحبة عدد من الأعضاء ذوي الصلة بالتعاون مع أفريقيا في مختلف المجالات، وذلك لشرح موقف مصر، وأحقيتها في الترشح للعضوية الدائمة بمجلس الأمن، عن قارة أفريقيا. ثم دعوة ممثلين عن تلك البرلمانات لزيارة مصر، والتواصل مع مؤسساتها الدستورية والتنفيذية، لترسيخ التوجه المصري. كما أرى أهمية أن تشمل الزيارات البرلمانية للدول الأفريقية، على وفود شعبية ممثلة لكافة أطياف الشعب المصري برجاله ونساءه وشبابه، بمسلميه ومسيحييه، بتوزيعهم الجغرافي بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب، للتعبير عن وحدة الشعب المصري، والتفافه حول هذا المطلب. وفي هذا الصدد، يتعين على مجلس النواب المصري، متابعة مطالب الدول الأفريقية من مصر، والعمل على تحقيقها، في حدود الإمكان. وعموماً، أنا على يقين بأن اللواء حاتم باشات، ومعه باقي أعضاء البرلمان، سيشكلون قوة إقناع، وضغط شعبي، على هذه الدول الأفريقية، وحكوماتها، وبرلماناتها.
إن الاقتراب من أفريقيا، في الفترة القادمة، مطلباً قومياً، وأحد أهم ركائز تحقيق الأمن القومي المصري، باعتبار أفريقيا امتداداً رئيسياً، واستراتيجياً لأمننا القومي.
إن مصر … بعظمتها … وقدرتها … وتاريخها العظيم … قادرة على تحقيق هذا الهدف في الفترة القادمة، إذا أحسنت استغلال كافة إمكانات هذا الوطن … عسكرياً … واقتصادياً … وثقافياً … وتعليمياً … في إطار خطة شاملة، يتفرغ لها ويدير منظومتها وزير دولة للشئون الخارجية.