قطر عسكريا .. القوة والإمكانات والسيناريوهات
- قوة الجيش القطرى من المرتزقة وعناصر من فرقة «بلاك ووتر» مهمتهم الأساسية حماية المنشآت الحيوية
- القلة المحدودة من أبناء قطر المنتظمين فى القوات المسلحة يتولون مهام ووظائف إدارية بعيدا عن القوات المقاتلة لتجنب العمل فى ظروف مناخية صعبة ومعيشة شاقة فى الميدان
- بالرغم من تعاقد قطر مؤخرا على صفقات أسلحة جديدة مثل شراء 24 طائرة رافال فرنسية تظل المعضلة فى عدم قدرة عناصر الجيش القطرى على تقديم الدعم الفنى واللوجيستى لهذه الأسلحة المتطورة
- غير مستبعد نجاح دولة الكويت فى الوساطة لبدء التفاوض حول الشروط العشرة التى وضعتها دول مجلس التعاون الخليجى ومصر لإنهاء المشكلة مع قطر
- من المحتمل حدوث انقلاب داخل العائلة المالكة ينتج عنه ظهور وجوه جديدة تقبل بشروط التفاوض مع الجانب الآخر
- الصدمة التى يعيشها النظام القطري حاليا بعد تحول الموقف الأمريكي كفيلة بأن تدفعه لإعادة حساباته وتقديراته كى لا يتخذ قرارات تكون نتائجها كارثية على مستقبل قطر
تلاحقت الأحداث منذ قرار كل من مصر والسعودية والإمارات والبحرين بقطع العلاقات مع قطر، إذ انضم لهذا القرار عدد من الدول العربية وغير العربية وما أعقب ذلك من تصريحات الرئيس الأمريكى ترامب، التى طالب فيها قطر بالتوقف عن تمويل الإرهاب.
ولكن ما أثار انتباه جميع المحللين العسكريين ومختلف مراكز الدراسات الإستراتيجية حول العالم، كان موافقة البرلمان التركى على إرسال قوات عسكرية تركية إلى قطر، لدعمها فى موقفها الحالي. كما ترددت أنباء عن وصول عناصر من الحرس الثورى الإيرانى إلى الدوحة، لدعم النظام القطري، ومن هنا ظهر التساؤل حول قوة قطر العسكرية، ومدى احتياجها لدعم خارجي، وهل هذا الدعم يهدف إلى تأمين النظام القطرى فى الداخل، أم أنه لتأمين دولة قطر ضد أى عدوان خارجي؟
تبلغ مساحة قطر 11.586 كيلومتر مربع، ويبلغ تعداد سكانها نحو 2.250 مليون نسمة، منهم 25% فقط من أهالى البلاد الأصليين، أما باقى عناصر التركيبة السكانية فيتكون من 18% من الهنود، و18% من الباكستانيين،و10% من الإيرانيين، وتتوزع النسبة الباقية على جنسيات أخرى عديدة.
يبلغ قوام القوات المسلحة القطرية 11800 فرد؛ ينقسمون إلى 8500 فى القوات البرية، و1800 فى القوات البحرية، و1500 فى القوات الجوية. وتفيد الدراسات العسكرية بأن 70% من الأفراد العاملين فى القوات المسلحة القطرية، من الأجانب ولا يحملون الجنسية القطرية، ولذلك أصدرت السلطات القطرية قانون التجنيد (الخدمة الوطنية)، ليفرض التجنيد الإجبارى على المواطنين القطريين، ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً، لمدة 4 أشهر، وتقل هذه المدة إلى ثلاثة أشهر لأصحاب المؤهلات العليا. ويظل الفرد فى خدمة الاحتياط لمدة 10 سنوات من انتهاء التجنيد، أو ببلوغه سن الأربعين، أيهما أقرب.
تصل ميزانية وزارة الدفاع فى قطر إلى 4.4 مليار دولار أمريكي، وتتكون قواتها المسلحة من ثلاثة أفرع هى القوات البرية، والقوات الجوية، والقوات البحرية.
كما أشرنا من قبل، تتكون القوات البرية من 8500 فرد، يمثلون سرية قوات خاصة، ولواء مدرعا، وقوات الحرس الأميرى المكونة من لواء مشاة من ثلاث كتائب، وأخيراً ثلاث كتائب مشاة مستقلة. أما حجم المعدات البرية فيتكون من عدد 92 دبابة، و464 عربة قتال مدرعة، و24 قطعة مدفعية ذاتية الحركة، و12 مدفعا مجرورا، وعدد 21 قطعة مدفعية صاروخية.
فى حين تتكون القوات الجوية من 1500 مقاتل، مقسمين على سرب من طائرات ميراج 2000، و15 هليكوبتر هجومية من طراز الأباتشي، إضافة إلى 53 طائرة نقل، و23 طائرة تدريب.
أما القوات البحرية، وتعدادها 1800 فرد، شاملة قوات حرس السواحل، ومسلحة بعدد 4 زوارق بحرية، ووحدة للإبرار قادرة على نقل دبابات وعناصر مشاة.
وبناء على هذا الحجم المتواضع جداً لقوة قطر العسكرية، فقد تم تصنيف الجيش القطرى فى العام الحالى 2017، فى المرتبة 90 من بين 126، وفقاً لتصنيف مؤسسة «جلوبال فاير باور» Global Fire Power.
وتؤكد باقى التقارير والدراسات الاستراتيجية الدولية، أن قوة الجيش القطرى من المرتزقة الباكستانيين، والسودانيين، وأفراد مقاتلين من كولومبيا، وكوريا الجنوبية، وعناصر من فرقة «بلاك ووتر» الأمريكية، مهمتهم الأساسية حماية آبار النفط فى البلاد، ومنصات استخراج البترول، ومعامل التكرير. إضافة إلى حماية المنشآت الحيوية فى البلاد مثل محطات الكهرباء، ومحطات تحلية المياه، والمطارات، ومبنى التليفزيون. كما يمثلون قوة ردع لقمع أى مظاهرات قد تحدث فى البلاد.
وتفيد المعلومات والتحليلات العسكرية، بأن اجتياح صدام حسين للكويت فى أغسطس 1990 قد شكل نقطةتحول كبيرة فى تكوين وهيكل الجيش القطري، إذ سُمح للأجانب الالتحاق بالجيش القطري، مقابل حصولهم على الجنسية القطرية، وعدم العودة إلى بلادهم، خاصة من الجنود العرب السودانيين واليمنيين والعمانيين الذين شاركوا فى التحالف ضد صدام حسين.
ومما يثير الدهشة، هو ما تصدره القوات المسلحة القطرية، من إعلانات فى الصحف عن وظائف شاغرة، تطلب فيها مهندسين وأطباء ومحاسبين وفنيين للالتحاق بصفوفها، فى محاولة للتغلب على ضعف الكيان البشرى فى القوات المسلحة. وهو ما أظهر أول مواطن الضعف فى القوات المسلحة القطرية، إذ جعلها قائمة على مجموعة من المرتزقة الذين التحقوا بالجيش مقابل المال، حتى إن القلة المحدودة من أبناء قطر، المنتظمين فى القوات المسلحة، يتولون مهام ووظائف إدارية، بعيداً عن القوات المقاتلة، لتجنب العمل فى ظروف مناخية صعبة، ومعيشة شاقة فى الميدان.
وطبقاً للمفاهيم القتالية فى العالم، فإن عناصر المرتزقة، فى أول قتال فعلي، تراهم يتركون مواقعهم وأسلحتهم ومعداتهم، ويفرون من أرض القتال، فهم غير مستعدين للتضحية بأرواحهم فى سبيل رواتب شهرية. وكان أقرب مثال لذلك ما حدث فى العراق مؤخراً. فبعد سنوات مع محاولات الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة تكوين الجيش العراقى وتسليحه وتدريبه على أحدث المعدات الأمريكية التى لم تستخدم خارج الجيش الأمريكى من قبل. ومع أول طلقة فى معركة الرقة أمام عناصر داعش الإرهابية، فر الجنود العراقيون، مخلفين وراءهم جميع أسلحتهم، التى استولت عليها داعش. وكان ذلك نتيجة لالتحاقهم بالجيش بحثاً عن لقمة العيش، وليس عن عقيدة الدفاع عن الأرض والوطن، فصُنف هؤلاء الجنود بأنهم مرتزقة.
أما من حيث حجم الأسلحة والمعدات فى القوات المسلحة القطرية، فتجدها محدودة ومتواضعة للغاية. وبالرغم من تعاقد قطر مؤخراً على صفقات أسلحة جديدة مثل شراء 24 طائرة رافال فرنسية، تظل المعضلة فى عدم قدرة عناصر الجيش القطرى على تقديم الدعم الفنى واللوجيستى لهذه الأسلحة المتطورة، خاصة أعمال الصيانة السريعة والإصلاح، أو عمليات إعادة تجهيز الطائرات للقيام بمهام قتالية متتالية.
كانت تلك أولى نقاط ضعف القوات المسلحة القطرية، المتمثلة فى قلة القوة البشرية، وتواضع أعداد الأسلحة والمعدات فيها.فى حين تتمثل نقطة الضعف الثانية فى عدم وجود نظام دفاع جوى متكامل لتأمين قطر ضد أية هجمات جوية معادية، أو ضربات صاروخية أرض-أرض، مما يجعل منشآتها الحيوية والبترولية مكشوفة وغير مؤمنة أمام أى أعمال عدائية من خارج الدولة. كذلك الأمر بالنسبة للقوات البحرية، فبالرغم من كون قطر شبه جزيرة، وتمتد سواحلها لمسافة 563 كيلو مترا، إلا أن قواتها البحرية غير مؤهلة للدفاع عن أراضيها أمام أى عدوان من جهة البحر. نخلص من هذا إلى أن القوات المسلحة القطرية غير قادرة على تأمين أراضيها ومنشآتها النفطية والحيوية. وهو ما نتج عنه تصنيفها فى المركز 90 من بين 126 جيشا نظاميا.
حتى أيام قليلة ماضية، كانت قطر تعتمد اعتماداً مباشراً وأساسياً على الحماية الأمريكية، من خلال «قاعدة العديد» الأمريكية الموجودة على أراضيها، ومن خلال الأسطول الأمريكى الموجود فى المنطقة. أما الآن، وبعد ما صرح به الرئيس الأمريكى ترامب من اتهام مباشر لقطر بدعمها للإرهاب، وهو ما يتعارض مع هدفه الأساسى من القضاء على الإرهاب فى المنطقة، لم يكن أمام قطر إلا اللجوء لتركيا وإيران لطلب الدعم العسكرى منهما. وبنظرة أولية على الأحداث، ستجد أن الدعم التركى لقطر، سيتمثل بداية فى إرسال كتيبة أو اثنتين من القوات الخاصة التركية؛ مظلات أو صاعقة، بهدف تأمين الدوحة، وتأمين أفراد العائلة المالكة ضد أى أعمال عدائية محتملة. أما من ناحية إيران، فلا أتوقع أن يزيد دعمها العسكرى عن ذلك المقدم من تركيا، فلن يتجاوز كتيبتين من الحرس الثورى الإيراني، ستعملان على تعزيز الأمن الداخلي.
أما إذا وصل الأمر إلى طلب قطر دعماً عسكرياً إضافياً، بهدف تأمين حدود الدولة، فلن يتحقق لها ذلك قبل نحو ثلاثة أشهر من الآن، نظراً لما يستغرقه نقل وإنزال الأفراد والمعدات من وقت، إذ سيتطلب تأمين الحدود أن ترسل تركيا، على الأقل، لواء مدرعاً بأسلحة الدعم من المدفعية، والمشاة والعناصر اللوجيستية، إضافة إلى عناصر من الدفاع الجوى والقوات الجوية لعمليات الإسناد المباشر. وهو ما لا أستبعد حدوثه خلال الفترة المقبلة. أما من ناحية إيران، فلا أتوقع أن يزيد دعمها العسكرى لقطر عن مهام التأمين الداخلي، إذ لن تقبل الولايات المتحدة الأمريكية بتغيير نقاط التوازن العسكرى فى منطقة الخليج، خاصة من ناحية إيران، التى قد تعتبر ذلك نقطة وثوب فى المستقبل لباقى دول المنطقة.
وعلى ذلك فإن جميع الأطراف الآن فى حالة ترقب. تراقب تحركات قطر فى تلك اللعبة الخطرة التى اختارتها لنفسها، من حيث اقترابها، سياسياً وعسكرياً، من إيران. وحتى لو بدأت قطر، اليوم، فى تطوير قواتها العسكرية، فستحتاج لنحو أربع سنوات لإتمام إجراءات التعاقدات على أسلحة وأنظمة ومعدات حديثة، قبل أن تصطدم بحقيقة ضعف المكون البشرى فى قواتها المسلحة. لهذا أقول إن الحسابات، حالياً، من وجهة النظر العسكرية، شديدة الخطورة، وبالغة الحساسية، وتقتضى ألا تكون قرارات دولة قطر قائمة على تقديرات انفعالية، بل أن تكون هذه القرارات مبنية على حقيقة محدودية إمكاناتها العسكرية، وعدم قدرتها على تطويرها فى المستقبل القريب مهما امتلكت من قدرات مادية. وأعتقد أن الصدمة التى يعيشها النظام القطري، حالياً، بعد تحول الموقف الأمريكي، كفيلة بأن تدفعه لإعادة حساباته وتقديراته، كى لا يتخذ قرارات تكون نتائجها كارثية على مستقبل قطر.
وبعد إلقاء الضوء على الموقف العسكرى فى قطر، يبقى السؤال، ماذا بعد؟ وما هى السيناريوهات المستقبلية فى المشكلة القطرية؟
يرى عدد من المحللين، أن هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة لتطور الموقف الحالى فى قطر، أولها، حدوث انقلاب عائلى داخل العائلة المالكة، ينتج عنه ظهور وجوه جديدة تقبل بشروط التفاوض مع الجانب الآخر. ثانيها، انقلاب عسكرى يطيح بالقيادة الحالية، وهو ما لا أتوقع حدوثه بعد وصول تعزيزات عسكرية من تركيا وإيران إلى الدوحة. وثالث هذه السيناريوهات هو نجاح دولة الكويت فى الوساطة لبدء التفاوض حول الشروط العشر التى وضعتها دول مجلس التعاون الخليجى ومصر لإنهاء المشكلة مع قطر.
أما من جهة دول مجلس التعاون الخليجى ومصر، فالسيناريوهات تتناسب مع الأهداف، ويتمثل السيناريو الأول سياسياً فى استمرار الضغط على قطر فى المحافل الدولية عن طريق تجميد عضويتها فى جامعة الدول العربية، وتصعيد الأمر إلى الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية حتى تستجيب قطر للشروط العشرة الموضوعة. ورغم قسوة هذه الشروط على دولة قطر، إلا أنها تتناسب مع ما مثلته سياستها ونهجها من تهديد لأمن العديد من الدول العربية. وهنا يبرز دور المفاوض الكويتى فى تقريب وجهات النظر بين الأطراف المعنية، ولكن على أساس التزام قطر بالشروط الموضوعة، وليس كما حدث فى مواقف سابقة، عند موافقتها، ثم تراجعها وإخلالها بتنفيذ الاتفاقات.
وفى حالة عدم استجابة قطر للضغوط السياسية، ستسعى دول مجلس التعاون الخليجى ومصر لاستصدار وفرض قيود على قطر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، ولعل العقوبات التى فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على إيران من قبل أكبر مثال على إمكانية الضغط على قطر للالتزام والتراجع عن سياساتها الداعمة للإرهاب. وهو ما أعتقد أن الظروف الدولية مهيئة له، فى ظل معاناة جميع دول العالم من ويلات الإرهاب، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية تعكف حالياً، منذ عودة الرئيس ترامب من زيارته إلى الشرق الأوسط، على وضع استراتيجية جديدة تجاه التعاون مع المنطقة، سوف أعرضها على حضراتكم بعد أسبوعين عند اكتمال ملامحها.</br.ويهدف>