النجم الساطع … ما له وما عليه
أنهت القوات المسلحة المصرية تدريبات النجم الساطع (Bright Star)، هذا العام ٢٠١٨، بعد توقف دام لعدة سنوات، نتيجة لأحداث ٢٥ يناير 2011، وما أعقبها من قرار الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، بتعليق المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر.
ومع تولي الرئيس دونالد ترامب، مقاليد الحكم في البيت الأبيض، أصدر قراره بعودة تدريبات النجم الساطع، المصرية-الأمريكية المشتركة، وتأكيداً لقراره، تم تنفيذها، بالفعل، في العام الماضي ٢٠١٧، بأعداد رمزية من الجانبين المصري والأمريكي، فقط. أما في العام الجاري، فقد عادت، تلك التدريبات المشتركة، بنفس قوتها التي كانت عليها من قبل، حيث شارك فيها قوات عسكرية لكل من مصر، والولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، واليونان، والمملكة المتحدة، وألمانيا، وإيطاليا، واشترك فيها بصفة مراقب كل من، كندا، والسنغال، وجنوب أفريقيا، والنيجر، ومالي، وجيبوتي، وتشاد، والكونغو، وأوغندا، وتنزانيا، وكينيا، والهند، والعراق، وباكستان، ولبنان، ورواندا. وقد نلاحظ عدم دعوة تركيا، هذا العام، للاشتراك في هذه التدريبات، والتي اعتادت المشاركة فيها من قبل.
ولأول مرة، تم استخدام أحدث القواعد العسكرية المصرية، لتنفيذ التدريبات المشتركة، وهي “قاعدة محمد نجيب العسكرية”، المجهزة بأحدث الإمكانات العالمية، لتسهيل التدريبات، سواء أماكن الإقامة، وأماكن التخزين والتشوين، فضلاً عن قربها من مناطق تدريب القوات البرية، وعمليات الأبرار الساحلي، والمطارات، والقواعد الجوية، كتلك الموجودة في برج العرب، أو مطروح. ولقد ركزت القوات المشتركة، تدريباتها، هذه الدورة، على التصدي للعمليات الإرهابية، خاصة أن معظم الجيوش، في مختلف العواصم العالمية، تتشارك، الآن، في التصدي للعمليات الإرهابية، سواء داخل بلادهم أو خارجها، وهو ما لم تكن تلك الجيوش تتعرض له من قبل.
أما الميزة الثانية، للتدريبات المشتركة، فتتمثل في التعرف على أسلحة ومعدات قتالية جديدة لكل الجيوش؛ فعادة، وبعد اختراع سلاح جديد أو معدة جديدة، يتم اختبارها فعلياً في اتجاهين، إما في ميادين القتال، أي في حرب حقيقية، وهو أمر مستبعد الآن، أو في تدريبات مشتركة، مثل النجم الساطع، التي تمثل فرصة، للجانب المصري، للتعرف على أحدث هذه الأسلحة والمعدات التي تستخدمها هذه الدول في التدريب، بما يتيح لمصر تقرير احتياجاتها منها، وإدراجها في موازنتها العسكرية. فضلاً عن التعرف على بدائل بعض الدول، ذات الإمكانات المتواضعة نسبياً، التي تبتكر بعض الحلول البسيطة، لتطوير معداتها، ومنها زيادة مدى عمل بعض الأسلحة والمعدات والذخائر.
وتتمثل الاستفادة الثالثة لمصر، في استضافتها لآلاف من القوات والأفراد، بما يساهم، جزئياً، في رواج قطاع السياحة المصرية، سواء بالإقامات الفندقية، والزيارات السياحية والتاريخية التي يتم تنظيمها لهم، وكذلك المشتروات من الهدايا، وأيضاً مصاريف استخدام الموانئ البحرية، والقواعد الجوية. ويبرز، في النهاية، أهم فائدة لمصر بوجود هذا الحجم من القوات، وذلك العدد من القادة العسكريين والسياسيين، وما توفره لهم مصر من تأمين، على أعلى مستوى، وهي أهم رسالة لكل دول العالم، عما تتمتع به مصر من استقرار، ومناخ آمن، عكس ما تحاول جماعة الإخوان الإرهابية إشاعته.
وإضافة إلى كل ما سبق، نوضح، اليوم، للقارئ الكريم، عدة فوائد تحققها القوات المسلحة المصرية، من التدريب المشترك، مع نظيرتها الأمريكية، لعل أهمها، أن القوات المصرية تعتنق الفكر العسكري الشرقي، في حين تتبع القوات الأمريكية، وغالبية الدول الأوروبية، الفكر العسكري الغربي، مما يعد فرصة ذهبية لقواتنا المسلحة، أن تتدرب مع هذه القوات، المختلفة في عقيدتها القتالية، خاصة وأن العدو الإسرائيلي يعتنق الفكر العسكري الغربي، ومن هنا كانت الفائدة العظمي. ولتقريب المعنى، تخيل عزيزي القارئ، أن التدريبات المشتركة الجوية، تتمثل في تأدية معركة جوية حية، يستخدم فيها كل من الجانبين، المصري والأمريكي، ٤ طائرات من طراز F-16، تنفذ خلالها القوات الجوية المصرية تكتيكاتهم الشرقية، ضد الجانب الأمريكي بأسلوبه الغربي، فتتعرف، بذلك، قواتنا على أساليب قتال جديدة، هي نفس أساليب الجيش الإسرائيلي. ويقاس على ذلك أساليب قتال القوات المدرعة، والمشاة الميكانيكية، والمدفعية، وغيرها من الأسلحة.
وتتمثل الاستفادة الثانية، من العمل المشترك في مراكز القيادة، فالقوات المصرية لها أساليبها الخاصة في التوقيع على الخرائط والخطط المختلفة، وهناك أسلوب مختلف للجانب الآخر، سواء الأمريكي أو الفرنسي أو البريطاني أو الألماني أو الإيطالي أو اليوناني، وهو ما يتيح، للقادة المصريين، التعرف على هذه الأساليب، فضلاً عن فرص التعرف على الأساليب الجديدة في أعمال القيادة والسيطرة. خاصة في ظل بقاء احتمالية، أن تشارك القوات المصرية، مستقبلاً، مع القوات الأجنبية الأخرى، سواء من الدول المشاركة أو غيرهم، في مهام مشتركة، إذا ما دعت الحاجة لتدخل هذه القوات ضد عدو مشترك قادم في المنطقة. ولقد كان أبسط مثال لذلك هو قوات التحالف، ضد صدام حسين بعد غزو الكويت، بقيادة القوات المسلحة المصرية، ذات أعلى خبرة قتالية في العصر الحديث، اكتسبتها من معارك حرب ٧٣ المجيدة، والمصنفة عسكرياً في مراكز متقدمة، على مستوى القوى العسكرية، سواء في المنطقة، أو على مستوى العالم. ويمثل ذلك تجربة قتالية فريدة للقوات المشاركة في التحالف، للاستفادة من خبرة الطيارين المصريين، الذين سطروا حروفاً من نور في التاريخ العسكري، شهدت عليها معركة المنصورة الجوية، في ١٤ أكتوبر ١٩٧3. وليس أدل على تميز قواتنا الجوية، من أن عدد الطيارين المشاركين في تدريبات النجم الساطع، هذا العام، أكبر بكثير من أي عام سابق.
من ناحية أخرى، تمثل إعادة هذه التدريبات، هذا العام، انطلاقة جديدة في العلاقات المصرية-الأمريكية على المستوى العسكري، والتي تبعتها موافقة الخارجية الأمريكية، على إعادة صرف المعونة الأمريكية لمصر، والتي كانت قد توقفت في عهد أوباما أيضاً. ومع انتهاء هذا التدريب المشترك، تبدأ مصر والولايات المتحدة الأمريكية، الاستعداد للتدريب المشترك القادم، المقرر في خريف ٢٠٢٠، طبقاً للموعد المتفق عليه كل عامين، والذي أعتقد أنه سيكون من أقوى تدريبات النجم الساطع، حيث سيكون هناك فترة كافية من التحضير والاستعداد، كذلك فترة كافية لدعوة الدول المشاركة، وتحديد دور ومهمة وحجم القوات لكل الدول المشاركة، خاصة أن التدريب القادم سيعتمد على طرح مفاهيم وأساليب جديدة في التدريب، تتماشى مع احتياجات شكل العمليات القادمة في منطقة الشرق الأوسط.