العائدون من سوريا
اصطلاح سياسي أمنى جديد، ظهر على السطح، هذه الأيام … فبعد أن تعودنا على الاصطلاح القديم “العائدون من أفغانستان “، الذي ظهر عقب نجاح الإدارة الأمريكية في دعم المجاهدين الأفغان، بالمال والسلاح، للتصدي للوجود السوفيتي في أفغانستان. وفور انسحاب القوات السوفيتية، في 1989، بعد عشر سنوات من التواجد في أفغانستان، ظهر تنظيم القاعدة، بقيادة أسامة بن لادن، ليوجه فوهة مدفعه صوب الولايات المتحدة الأمريكية، واصفها بالشيطان الأكبر، الذي يقف وراء كل الأزمات والكوارث، في شتى بقاع العالم.
وبدأت الولايات المتحدة حربها ضد القاعدة، وتحديداً ضد بن لادن، الذي قام بتفجير سفاراتها في دار السلام وفي نيروبي، في 1998، قبل أن ينفذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، لتصنفه أمريكا، بعدها، بأنه أكبر الإرهابين المطلوبين في العالم. وعندها أطلق الرئيس الأمريكي جورج بوش، الابن، حملته ضد الإرهاب، فقررت الولايات المتحدة، اجتياح أفغانستان، وأطاحت، بالفعل، بحكومة طالبان، ولم تتمكن من القبض على بن لادن، الذي نجح في الهروب، وتضاربت، بعدها، الأقاويل عن وجوده بأماكن عديدة. ظلت أمريكا تبحث عنه في الكهوف، والوديان، حتى استيقظ العالم، في يوم ٢ مايو ٢٠١١، على بيان الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، يعلن فيه عن نجاح القوات الأمريكية الخاصة، بتنفيذ عملية خاصة، تم فيها تصفية بن لادن، زعيم القاعدة، المسئول عن قتل المئات من الأبرياء، في شتى بقاع الأرض، وتم دفن جثته في قاع البحر، حتى لا يكون قبره مزاراً للمتطرفين الإسلاميين في المستقبل.
بعد هزيمة طالبان، ومقتل بن لادن، هرب المقاتلون الإسلاميون، من رجال طالبان، إلى مختلف الدول، وأصبحوا مطلوبين في عدة دول لمحاكمتهم، بل ورفضت مواطنهم الأصلية عودتهم إليها، خاصة الدول الأوروبية، فتشتتوا في الأرض، وعرفوا باسم “العائدون من أفغانستان”.
والآن، في الآونة الأخيرة، تعرف العالم على اصطلاح جديد، هو “العائدون من سوريا”، وذلك بعد أن نجحت دول العالم في حصار داعش، والقضاء على تنظيمه الإرهابي، إلا من بعض الجيوب، في مناطق متعددة في العراق، وفي سوريا، تجمع فيها عدد ليس بالقليل من عناصره، والبعض منهم ممن ينتمون إلى دول أوروبية، على رأسهم فرنسا وإنجلترا وألمانيا وبلجيكا. لازال بعضهم متمسك بأفكاره الإرهابية المتطرفة، في حين أعلن البعض الآخر أنه تم التغرير بهم، وهم الآن غير مقتنعين بسلامة ذلك الفكر الإرهابي، ولكن تبقى المشكلة، في رفض بلادهم الأصلية، عودتهم إليها، بعدما أسقطت عنهم جنسياتهم، لثبات انضمامهم لتنظيم داعش الإرهابي. واتخذ الموقف بعداً إنسانياً، بسبب تجمع تلك العناصر، وعائلاتهم من النساء والأطفال، في معسكرات على الحدود السورية، في المناطق التابعة للأكراد السوريين، عالقين بها، بلا مأوى ولا وطن. ومن جهة أخرى، من الصعب إلقاء اللوم على دولهم، لرفضها السماح لهم بالاندماج، مرة أخرى، في المجتمعات الأوروبية، بأفكارهم ومعتقداتهم المتطرفة، وما تمثله من عبأ على الأمن القومي لهذه الدول.
ومن هنا ظهر المصطلح الجديد “العائدون من سوريا” … والسؤال اليوم “إلى أين؟!” … إلى أين يتوجه العائدون من سوريا، بعدما لفظتهم مواطنهم الأصلية، وصاروا عالقين في معسكرات إيواء، لا خيار لهم إلا الشتات في الأرض، أو المحاكمة، والسجن مدى الحياة، في حال قبول دولهم عودتهم إليها. فازدادت المشكلة تعقيداً، وأصبحت مثل برميل البارود، الجاهز للانفجار في أي وقت، محدثاً دوياً مرعباً، ومدمراً كل ما حوله.
وفي ظل ما يمثله ذلك التجمع من خطورة على المنطقة، وهو ما يتطلب تكاتف جميع الجهات المسئولة، والتنسيق بينهم، لإيجاد حلول عملية وسريعة، تجد الأمم المتحدة، بكامل منظماتها، ترفض التدخل، وتكتفي بتقديم بعض الدعم اللوجيستي لمعسكرات تجميع هذه العناصر، في مناطق تمركزها وتجمعها، بالرغم من أنها الجهة المنوط بها التنسيق الدولي لإيجاد حل لمشكلة “العائدون من سوريا”. وحتى منظمات حقوق الإنسان الكثيرة، لم نسمع لها صوتاً، أو حتى همساً، لإبداء رأيها وفكرها في أسلوب التعامل مع هذه العناصر.
وعلى صعيد مواز، تجد دول مثل تركيا وإيران، وغيرهم، ممن لا يعنيهم شأن المنطقة، تجدهم في حالة استنفار شديد على الحدود، لتهريب تلك العناصر، وعائلاتهم، إلى مناطق بعيدة عنهم، تضعف فيها سيطرة الدول على أراضيها، مثل ليبيا، أو منطقة صحراء مالي، الأمر الذي سيزعج السلطات هناك، إلا أنه لا يعنيهم إلا تأمين حدودهم، وليس حل المشكلة.
وأعلم أن مصر، حالياً، تتابع بكل دقة وحرص، أية تحركات لهذه العناصر، على الحدود المصرية، خاصة من ناحية الغرب، على الحدود مع ليبيا، الذي يعتبر الخطر الأكبر، نظراً لطول الخط الحدودي من ناحية، ولضعف السيطرة داخل ليبيا من ناحية أخرى. وهكذا فإن أنظار جميع دول المنطقة، والدول الأوروبية، تتجه نحو ضرورة إيجاد حل سريع وحاسم، للسيطرة على هؤلاء “العائدون من سوريا”، التي أصبحت مشكلة الساعة في منطقة الشرق الأوسط.