الأطباق الساخنة في الشرق الأوسط
كانت لهنرى كيسنجر، داهية السياسة الأمريكية، مقولة أن الأطباق الساخنة هى التى تحرك الأمور فى السياسة، ولقد ظهر ذلك واضحاً عندما أرسل الرئيس أنور السادات مستشاره للأمن القومى، حافظ إسماعيل، فى أوائل عام 73، لسؤال هنرى كيسنجر، عما إذا كان هناك أمل لتحريك الأمور فى الشرق الأوسط، بين مصر وإسرائيل، بعدما طالت مرحلة اللاسلم واللاحرب، فرد هنرى كيسنجر بجملته الشهيرة: «يا عزيزى السياسة تحركها الأطباق الساخنة، يجب أن تتحول حالة اللاسلم واللاحرب إلى طبق ساخن»، فكان ذلك أحد المؤشرات التى دعمت الرئيس السادات فى اتخاذه قرار الحرب، عام 73.
وهذه الأيام، ومن خلال متابعتى اليومية لنشرات الأخبار، على مختلف القنوات الإخبارية، حول العالم، أجد أن 90% من أخبارها تتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، وهو ما يدفعك للنظر إلى خريطة الشرق الأوسط، متسائلاً عما يحدث بالفعل، إنها المنطقة الوحيدة فى العالم التى لا يخلو ركن فيها من الصراعات أو النزاعات أو التهديدات الإرهابية. إذا بدأنا من الغرب، تجد أن الجزائر، تجدها دولة معطلة، منذ الإطاحة بالرئيس بوتفليقة، فالجماهير خرجت، للأسبوع الثانى والعشرين، معبرة عن رفضها لوجود وجوه النظام السابق فى الحكم، بينما الجيش حائر وغير قادر على تحريك الأمور التى تتجه نحو طريق مسدود.
ونقترب من ليبيا، فسترى الأوضاع تزداد تعقيداً، بعد تدخل تركيا فيها، ودعمها المباشر لطرابلس، ليصبح الصراع حول طرابلس معركة اللانهاية، حيث يعد قتال المدن أشد أنواع القتال، ويعتبر الاقتراب منه كالماسك على جمر من النار، فأى قذيفة تعنى خسائر بين صفوف المدنيين.
وإذا اتجهت جنوباً، نحو السودان، فالأمور مازالت مشتعلة، منذ إسقاط الرئيس البشير، والقبض عليه، وسنظل ندعو لها من قلوبنا أن تصل إلى البر الآمن، ونحمد الله أن التوصل لاتفاق، أخيراً، بمعاونة وفد الاتحاد الإفريقى، قد يفتح المجال لعودة الهدوء، فى الفترة القادمة، إلى الشارع السودانى، إذا ما صلحت النوايا. وفى اليمن، فلا يخفى على أحد أن القتال، بين الحوثيين وقوى الدولة الشرعية، سيطول أمده، ما لم يتم قطع المد، والدعم، الإيرانى، بالمال والسلاح، لتلك العناصر، والذى أصبح يمثل تهديداً، مباشراً، للمملكة العربية السعودية، بل تهديد، لسلامة الملاحة فى منطقة باب المندب، مستقبلاً.
وصارت إيران خبراً رئيسياً فى جميع وسائل الإعلام، بإصرارها على امتلاك السلاح النووى، بما أوقعها تحت طائلة العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وكرد فعل، فقد أسقطت طائرة أمريكية، بدون طيار، وتعالى تهديدها بإغلاق مضيق هرمز، أمام الملاحة العالمية، ورفعت نسبة تخصيب اليورانيوم المنصوص عليها فى اتفاقها النووى، الذى عقدته مع أمريكا وعدد من الدول الأوروبية، فى عهد الرئيس الأمريكى السابق أوباما، والذى خرجت منه أمريكا بعد وصول الرئيس ترامب إلى الحكم. ويبقى السؤال: هل ستتحمل إيران هذا الضغط الاقتصادى، وتراهن على رحيل ترامب عن الحكم، فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بعد عام ونصف؟ كلها تساؤلات، وتكهنات، وتقديرات، على أى حال، لتظل إيران الطبق الساخن فى المنطقة، خاصة أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة بدأت فى تكوين قوى بحرية لحماية مرور الناقلات فى مضيق هرمز.
وفى العراق، لايزال شبح التقسيم يخيم عليه، فى ظل مشاكله مع الأكراد فى الشمال، أو النزاع بين السنة والشيعة، ومحاولة التوفيق فى علاقته بإيران من ناحية، والولايات المتحدة من ناحية أخرى. كل ذلك فى ظل أزمة اقتصادية طاحنة، مصحوبة بعمليات إرهابية وحركات الميليشيات، التى تؤرق الشارع العراقى. وفى الجوار تجد أن سوريا تمثل ثانى الأطباق الساخنة، فى المنطقة، بعد إيران، فرغم كونها دولة مستقلة، إلا أنه يوجد على أراضيها عدد من الجيوش الأجنبية، يحارب كل منها لأجل أجندته الخاصة، فروسيا يهمها حفاظها على تواجدها فيها، كمنفذها الوحيد للمنطقة ولمياه البحر المتوسط الدافئة، وذلك من خلال قاعدتين عسكريتين، جوية وبحرية، وعدد من القوات التى ساعدت الرئيس بشار الأسد فى استعادة معظم الأراضى السورية، من أيدى الدواعش. كما تحتل القوات التركية شمال سوريا، لمنع أكرادها من الانضمام لأكراد تركيا، ولقد فشلت محادثاتها مع الولايات المتحدة على إنشاء المنطقة العازلة فى شمال سوريا، حيث تؤكد تركيا أنها الوحيدة المسؤولة عن تنفيذ هذه المنطقة، فضلاً عن قوات الحرس الثورى الإيرانية، وعناصر حزب الله، المعاونة لبشار، والتى تشكل عقبة كبيرة نحو التعاطف الأمريكى مع سوريا. وأخيراً إسرائيل، التى تتخذ من سوريا أرضاً لمعركتها مع إيران وعناصر حزب الله.
لا تقل تركيا فى سخونتها عن الأطباق الأخرى فى المنطقة، فبالرغم من مشاكلها الداخلية، وتدهور اقتصادها، وفقد أردوغان لشعبيته فى انتخابات البلدية فى 4 مدن رئيسية، أهمها إسطنبول، تجدها أضافت لملفاتها مشكلة جديدة، بشرائها منظومة الدفاع الجوى (SS400)، الروسية، والذى أوقعها تحت طائلة العقوبات الأمريكية، التى بدأت بتجميد صفقة قوامها 100 طائرة من طائرات الشبح (F35)، وإلغاء تدريب الطيارين الأتراك عليها، وإعادتهم إلى بلادهم. ومن المتوقع زيادة العقوبات الاقتصادية مستقبلاً، مما سيعرض الاقتصاد التركى لانتكاسات جديدة. وعلى صعيد متصل، لن يقف الاتحاد الأوروبى مكتوف الأيدى أمام انتهاك تركيا لسيادة إحدى دوله، وهى قبرص، من خلال المحاولات التركية للتنقيب عن الغاز أمام السواحل القبرصية.
وأخيراً، تظهر قصة صفقة القرن، التى لم تعرف بعد ملامحها السياسية، رغم المؤتمر الذى عقد فى البحرين، مؤخراً، ومع ذلك لم تتضح الخطوات المستقبلية للتحرك فيها، ولم تحدد مصادر تمويل مبلغ الخمسين مليار دولار، وأظن أن تلك الصفقة تنتظر الانتخابات الإسرائيلية القادمة، ليكون هناك رئيس وزراء إسرائيلى قادر على اتخاذ قرار بشأنها.
وهكذا ترى، عزيزى القارئ، أن جميع أطباق منطقة الشرق الأوسط ساخنة، إلا أن بعضها أكثر سخونة من غيرها، حسب تعبير هنرى كيسنجر، ولكن المهم… من سيلتهم تلك الأطباق؟، وهل سيتسبب ذلك فى تخمة لآكلها؟.. هذا ما ستوضحه الأيام القادمة.